لعلك -أخي القارئ- تذكر ما حدث منذ قرابة العامين عندما تم الإعلان عن نية امرأة مسلمة القيام بإلقاء خطبة الجمعة وإمامة المسلمين من الرجال والنساء في الولايات المتحدة الأمريكية وما صاحب ذلك من ضجة إعلامية واستنكار في أوساط العالم الإسلامي، وبالفعل قامت هذا المرأة بإلقاء خطبة الجمعة، ونقلت لنا الكاميرات صور للرجال والنساء ينصتون إليها وهم جلوس بجوار بعضهم البعض.
ومنذ بضعة أسابيع (في أواخر عام 1429 هـ- 2008 م) طالعتنا الصحف بصور فوتوغرافية جديدة لنفس المرأة وهي تخطب الجمعة وتؤم المصلين من الرجال والنساء في بلدة من بلدان أوربا.
والجديد في هذه المرة عدم حدوث تفاعل مع الحدث، أو استنكار له من قبل العلماء كما حدث في المرة الأولى، لتنجح الحرب الفكرية في هذه الجولة، وتبدأ العقول المسلمة في قبول فكرة أن الإسلام لا يمانع من إمامة المرأة للرجال، والاختلاط بين الجنسين في الصلاة، ومن ثم في غيرها.
في بداية معركة اليمامة والتي كانت بين جيش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه وبين جيش المرتدين بقيادة مسيلمة الكذاب حدثت هزيمة للجيش الإسلامي، واستشهد العديد من المسلمين، فاستشعر الصحابة الخطر المحدق بالإسلام لو انتصر مسيلمة، فبدأوا حملة استنفار ضخمة لشحذ الهمم، وبذل أقصى ما يمكن بذله من جهد، وصعد البراء بن مالك رضي الله عنه إلى مكان مرتفع وصرخ في المسلمين قائلا: «يا أهل المدينة: لا مدينة لكم، وإنما هو الله وحده والجنة» (?).
فكان لهذا النداء الصادق أثره الإيجابي في زيادة شعور المسلمين بالخطر، وما تبع ذلك من استنفار لكل طاقاتهم في القتال مع عظيم توكلهم على الله عز وجل، فكان النصر المبين بإذن الله.
وهذا هو المعنى الذي ترمي إليه هذه الأسطر .. أن نستشعر الخطر المحدق بالإسلام ... ولا يخطئ من يقول بأن الوضع الذي تعيشه الأمة الآن أشد خطرًا من الوضع الذي عايشه المسلمون في بداية معركة اليمامة.
«إن الأمة الإسلامية بأكملها تواجه حربًا فكرية بدأت وتم حشد الأنصار لها، والمراكز الفكرية في الغرب تقوم بحشد الآراء والتوجهات والموارد من أجل ذلك، فلابد أن يكون رد الفعل من قبل الأمة بجميع فئاتها متناسبًا مع هذا الخطر الشديد» (?).
ومع ذلك، فإننا نوقن بأن هذا الخطر الشديد يمكن التصدي له، ودحره إذا ما صح منا العزم، وازداد التشمير لإيقاظ الأمة وبث الروح فيها، وكيف لا، والأمر كله لله، وهو وحده الذي يتولى تسيير شئون هذا الكون؟ فإذا ما رأى منا الصدق والحرص والعزيمة الوقادة، والاستعداد التام لبذل غاية الجهد من أجل نصرة دينه فإنه سبحانه سيدفع عنا هذه الهجمة الشرسة، ولعل ما حدث في غزوة الأحزاب خير دليل على ذلك: "وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا" [الأحزاب: 25].
* * *