ومن الأخطار التي ينبغي أن تقض مضاجع الدعاة والعاملين للإسلام، وتجعلهم في حالة دائمة من الاستنفار: خطر الاستبدال ..
ولكي نتعرف على هذا الخطر، فإن من المناسب التذكير بمكانة الأمة الإسلامية بالنسبة للبشرية، ونقطة البداية في هذه المسألة تبدأ بالتذكير بأن الله عز وجل يريد الخير للناس جميعًا، ولا يرضى لهم الكفر، ومراده دخولهم جميعًا الجنة: "وَاللهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ" [البقرة: 221].
ومن دلائل رحمة الله العظيمة بالبشر جميعًا تلك الرسالات المتتالية التي أرسلها إليهم والتي تبشرهم بالجنة، وتخوفهم من النار، وترسم لهم طريق الهداية إليه- سبحانه- وإلى جنته.
ولقد اصطفى الله عز وجل أمة الإسلام لكي تقوم بمهمة تبليغ رسالته الأخيرة للبشرية جمعاء: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ" [البقرة: 143].
ولأن القرآن هو رسالته الأخيرة، لذلك فهو سبحانه لن يستبدل الأمة الإسلامية بأمة أخرى في مهمة هداية البشرية وإيصال رحمته للعاملين كما حدث من قبل مع بني إسرائيل حينما استبدل بهم أمة الإسلام بعد خيانتهم للأمانة.
قامت الأجيال الأولى للأمة بأداء مهمتها خير قيام، وتحركوا في كل مكان لتبليغ الرسالة، ثم حدث ما حدث بعد ذلك من ضعف، وتكالب على الدنيا، وصراع من أجل الرئاسة فيها، فانتكست الأمة، ومن ثم تركت وظيفتها ومهمتها الأساسية في هداية البشرية.
وكل يوم جديد يموت الكثيرون والكثيرون على الضلالة لأنهم- من جانبهم- لم يبحثوا عن الطريق الصحيح، وعن غاية وجودهم في الدنيا، ومن جانب آخر فإن المكلفين بتبليغهم رسالة الله لم يقوموا بذلك، وخانوا الأمانة، أو قصروا في أدائها.
من هنا ندرك بعضًا من حِكم الابتلاءات والعقوبات المتتالية التي أصابت الأمة؛ لأنها أولاً: أهملت الرسالة ولم تعمل بما تضمنته، ولأن الأمة أيضًا خانت أمانة بلاغ الرسالة الذي هو المحور الثاني لوجودها .. قال صلى الله عليه وسلم: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد: سلط الله عليكم ذلا، لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم» (?).
ومع العقوبات المتتالية للأمة إلا أنها لم تفق من غفلتها، ولم تعد لسيرتها الأولى.
ولأن الله عز وجل قد كتب ألا يستبدل أحدًا بهذه الأمة؛ كانت رحمته بها وبالبشرية أن أيقظ مجموعة من الأمة لتقيم الرسالة في ذواتها أولاً، ثم تتولى بعد ذلك مهمة إيقاظ الأمة وإقامة الدين بشموله فيها، ليقوم مجموع الأمة- تبعا لذلك- بأداء وظيفتها الرئيسة، والغافلة عنها، ألا وهي: إنقاذ البشرية، وإسعادها بالإسلام: "وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ" [الأنفال: 39]. ولقد تمثلت هذه الرحمة الإلهية في الدعاة إلى الله والعاملين للإسلام.
فالعاملون للإسلام يشكلون (طليعة الإنقاذ) لأنفسهم أولا، ثم لأمتهم ثانيا، ثم للبشرية جمعاء ثالثا.
ولئن كان الله عز وجل قد شرف الدعاة والعاملين للإسلام باختيارهم لأداء هذه الوظيفة العظيمة، إلا أن هذا التشريف والاختيار مرتبط، ومرتهن بمدي التزامهم بها، فإن لم يفعلوا فسيرسل لهم الله عز وجل من الآيات ما يذكرهم بأهمية بذل الوسع والطاقة في سبيل إعلاء رايته، وذلك من خلال المحن والابتلاءات المتنوعة.
فإن لم يتذكروا بعد سلسلة الابتلاءات فإن سنة الله الصارمة هي الاستبدال كما قال تعالى: "وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ" [محمد: 38].