وترمي خططهم في هذا الشأن إلى تفريغ مدلولات المفاهيم الإسلامية من معانيها الأصلية حتى تصبح الصورة الذهنية المستقرة في عقول المسلمين مجتزءة ومشوهة.
فإذا حدث ذلك؛ صعب على الدعاة والمصلحين إحياء هذه المعاني في نفوس أبناء الأمة لأن المفاهيم- ذاتها- قد تغير مدلولها.
ومثال ذلك: تغيير مفهوم الاعتدال الإسلامي، والتركيز على إظهار الاعتدال على أنه إطلاق الحريات بدون ضوابط، كحرية تبديل الأديان، وحرية الاختلاط بين الرجال والنساء، والمساواة بينهما في كل شيء.
لقد كان تركيز أعدائنا في الماضي على كيفية تغيير المسلمين ليصبحوا أفرادًا بلا هوية، وهذا ما عبر عنه القس زويمر في المؤتمر التنصيرى الذي أقيم في القدس عام (1935 م) بقوله: إن مهمتنا ليست تنصير المسلمين، فهذه مهمة لا طائل من ورائها، ولكن مهمتنا هي صرف المسلمين عن التمسك بالإسلام، وفي هذا نجحنا نجاحًا باهرًا بفضل مدارسنا التنصيرية، ومناهج التعليم التي وضعناها للعالم الإسلامي (?).
والآن أصبح التركيز الأكبر على تغيير مفاهيم الإسلام وثوابته، وإعادة تفسيره بالشكل الذي يخدم أهدافهم.
ويمكنك أخي القارئ أن تتأكد من هذا الأمر إذا ما قرأت تقرير مؤسسة راند الأمريكية لعام (2007 م)، وهي من أكبر المؤسسات الفكرية في العالم، والتي تساهم في صنع القرار الأمريكي، فالتقرير يضع تصورًا محددًا لكيفية بناء شبكات مسلمة معتدلة بالمفهوم الغربي الأمريكي (?).
وسترى- أخي القارئ- من خلال قراءتك لهذا التقرير كيف أنهم يركزون على أهمية استعادة تفسيرات الإسلام من أيدي التيار الإسلامي وتصحيحها من وجهة نظرهم حتى تتماشى وتتناسب مع واقع العالم اليوم، وتتماشى مع القوانين والتشريعات، الدولية في مجالات الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وقضايا المرأة.
وسترى كيف أن التقرير يركز على أهمية إيجاد تعريف واضح ومحدد للاعتدال الإسلامي، وأن يصاغ هذا التعريف من قبل الغرب، وأن يصبح هذه التعريف هو الأداة والوسيلة لتحديد المعتدلين في العالم الإسلامي، من أدعياء الاعتدال الذي لا يتوافق مع التعريف الأمريكي والغربي له.
ومن الملفت للنظر أن التقرير يؤكد على أهمية استخراج النصوص الشرعية من التراث الإسلامي والتي يمكن أن تدعم أطروحات الغرب لإعادة تفسير الإسلام! وأن يُستَخدم بعض الدعاة للقيام بهذا الدور.
ويوصي التقرير أن تكون الدعوة للاعتدال بعيدًا عن المساجد، وأن تستخدم البرامج التلفازية، والشخصيات ذات القبول الإعلامي والجماهيري من أجل تحقيق ذلك!.
إننا- كما يقول د. باسم خفاجي- أمام محاولة لإعادة تعريف مفهوم الاعتدال داخل المجتمع المسلم بحيث لا يستند التعريف من الآن فصاعدًا إلى مبادئ الوسطية والتراحم التي حثت عليها الشريعة، وإنما أن تتحول هذه المبادئ إلى مجموعة من المُسلَّمات الغربية تقدم للعالم على أنها مبادئ أولية). (?)