ويؤكد أبو الحسن الندوي- رحمه الله- على هذه القاعدة فيقول:
لقد ضل من زعم أن العلماء يتفاضلون بقوة العلم، وكثرة المعلومات، وزيادة الذكاء، وأن الشعراء يتفاضلون بقوة الشاعرية، وحسن اختيار اللفظ، ودقة المعاني، وأن المؤلفين يتفاضلون بسعة الدراسة والمطالعة، وكثرة التأليف والإنتاج، وأن المعلمين يتفاضلون بحسن الإلقاء والمحاضرة، واستحضار المادة الدراسية، وكثرة المراجع، وأن المصلحين والزعماء يتفاضلون بالبراعة في الخطابة، وأساليب السياسة والحكمة واللباقة، إنما يتفاضل الجميع بقوة الحب، والإخلاص لغايتهم.
إذا فاق أحدهم غيره فإنما يفوقه، لأن الغاية أو الموضوع حلَّ في قرارة نفسه، وسرى منه مسرى الروح، وملك عليه قلبه وفكره، وقهر شهواته، واضمحلت فيه شخصيته، فإذا تكلم تكلم عن لسانه، وإذا كتب كتب بقلمه، وإذا فكر فكر بعقله، وإذا أحب أو أبغض فبقلبه (?).
فإن قلت: وماذا أفعل بعد هذا التصميم والعزم الأكيد، والتوكل الصادق على الله عز وجل، لكي أكون ممن يساهم في إنقاذ هذه الأمة؟!
كانت الإجابة بأن المطلوب بعد ذلك هو السير في طريق الإصلاح وبناء المشروع الإسلامي والذي ينطلق من قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، والتغيير المطلوب هو تغيير على منها ج النبوة، من خلال العمل على إصلاح الأفراد من داخلهم إصلاحًا متكاملا يشمل إصلاح التصورات والمفاهيم عن الدين وعلاقته بالحياة، ويشمل إصلاح الإيمان وتقويته في القلوب، وكذلك تزكية النفوس وترويضها على ارتداء ثوب العبودية لله عز وجل، مع دفعها للبذل والتضحية من أجل هذا الدين ..
التغيير المطلوب يبدأ بإصلاح الفرد فالبيت فالمجتمع.
ولكي تتم عملية الإصلاح المطلوبة لابد من وجود عناصر مشعة، مؤثرة، متوهجة تتمثل فيها المعاني التي تدعو الناس إليها، فيخرج منها الكلام محملاً (بالحُرقة) على هذا الدين، والشفقة على المستمعين، والرغبة الأكيدة في إفادتهم وتغييرهم ..
فلتكن أنت أحد هذه النماذج.
لتكن أنت كالنبراس المضيء الذي يؤثر في كل ما حوله، وهذا يستلزم منك أن تبدأ بقلبك فتنوره، وبنفسك فتزكيها، وبعقلك فتغذية بالعلوم النافعة.
ويستلزم منك كذلك أن تضع يدك في يد كل من يريد الخير لهذه الأمة، ويحمل همَّ هذا الدين .. لابد من التواصل معهم، والانتفاع بصحبتهم وتجاربهم، لتحقق معهم قوله تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 3].
ويستلزم منك أيضًا أن تستنهض همم القاعدين، فالنار مشتعلة والأمة بحاجة لكل جهد يُبذل في إطفائها.
وخلاصة القول: أن المطلوب مني ومنك هو عزيمة أكيدة وإصرار عظيم على إعادة مجد الأمة بالإسلام من جديد، وترجمة هذه العزيمة بالاستعانة الصادقة بالله عز وجل، والتوكل المحض عليه سبحانه في أن يبلغنا مرادنا، ثم البدء بإصلاح النفس، ومصاحبة الصالحين المصلحين، واستنهاض همم القاعدين، والانطلاق بين الناس والتركيز معهم في توضيح مفاهيم الإسلام الصحيحة، والأخذ بأيديهم لتغيير ما بأنفسهم من سلبيات، وإصلاح الإيمان في قلوبهم ..
وحجر الزاوية- كما تري- هو تلك القوة النفسية العظيمة التي ينبغي أن تتواجد باستمرار داخلنا كنتيجة للعزائم المشتعلة، (والحُرقة) الشديدة على الدين, وتأكد- أخي- أنه لا سبيل للنهوض إلا بهذا، فلا المال، ولا الجاه وحدهما، سينصران هذا الدين، بل سينصره- بإذن الله- جهد الأفراد المؤمنين المتوهجين .. جهد الرجال الكبار الذين يستشعرون أن خلاصهم بخلاص الأمة ونهوضها من كبوتها ..