إن الدعوات الدينية الصادقة- كما يقول حسن البنا- عمادها الإيمان قبل المال، والعقيدة قبل الأعراض الزائلة، وإذا وجد المؤمن الصحيح وجدت معه وسائل النجاح جميعًا (?).
لذلك فإن من يريد أن يخدم الإسلام خدمة صحيحة تساهم في نهوض أمته من كبوتها فعليه بأن يتذكر أن الإسلام الآن بحاجة إلى جهد الأفراد المؤمنين المتوهجين- رجالاً ونساء- أكثر من حاجته لأي شيء آخر.
* * *
كيف تبقى الروح
يقظة والعزيمة مشتعلة؟!
من المتوقع أن تقفز بعض التساؤلات إلى الأذهان تدور حول كيفية إبقاء الروح يقظة والعزيمة مشتعلة، وبخاصة مع تسارع مستجدات الحياة وتقلباتها، وما يستلزمه ذلك من شغل الفكر والوقت، ومن ثَمَّ التأثير السلبي على التوهج وحمل هم الدين.
لا شك أن الحياة في هذا العصر تستهلك جزءًا كبيرًا من الفكر والجهد والوقت والمال، ومع ذلك فإن استسلامنا للأمر الواقع، والقناعة به، والقعود عن مهمة إنقاذ الأمة معناه وكأننا نقول لله عز وجل بلسان حالنا: يا رب استبدل بنا غيرنا لأننا مشغولون بأمور الحياة وتوفير متطلباتها، ومعناه أن يستمر الوضع السيء للأمة، بل وأن يزداد سوءًا وتدهورًا.
ومع القناعة بأن هناك بالفعل أثقال كثيرة تجذبنا نحو الدنيا وتشغلنا بها، إلا أن ذلك ليس معناه الاستسلام للأمر الواقع، بل لابد من وجود وسائل مضادة تُبقى الروح يقظة، والعزائم متقدة، والقلوب حرة من أسر الدنيا.
أو بمعني آخر: نحتاج إلى وسائل متجددة تقوم بتغذية مشاعر الرغبة والعزيمة لإنقاذ الأمة بشكل مستمر، ونحتاج كذلك إلى حسن التعامل مع العقبات التي تواجهنا والتي يقف على رأسها الانشغال بالدنيا.
ومن أهم وسائل إبقاء العزائم مشتعلة هو الاستثارة الدائمة لمشاعر الخوف والقلق، والشعور بالخطر، فكما قال صلى الله عليه وسلم: «من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل ... » (?).
فمن خاف من شيء أدلج، أي سار بالليل ولم ينتظر الصباح؛ لأن شعوره بالخطر وقلقه مما هو آت لا يجعله يهنأ براحة، فعلى قدر القلق، والشعور بالخطر من شيء (ما) يكون التشمير والعمل لتبديد هذا القلق ودفع هذا الخطر، ولو استدعى ذلك عدم النوم بالليل، والتضحية بوقت الراحة والاسترخاء.
وعلى سبيل المثال: لو أن رجلا يجلس بين زوجته وأولاده يتناولون الطعام، فشاهدوا نارًا تشتعل في منزلٍ غير بعيد عنهم، فماذا سيكون رد فعلهم؟! .. سينتابهم القلق، ويتحفزون للمقاومة والعمل -ولكن- مع استمرارهم في تناول الطعام، فإذا وصلت النار إلى جيرانهم ازدادوا قلقًا، وتركوا طعامهم، فإذا وصلت إلى بيتهم انطلقوا في قوة خارقة لإطفاء النار ..
من هنا نقول بأن تزكية الشعور بالخطر هو الذي سيغذي- بعون الله- العزائم ويبقيها في حالة من الاشتعال والتوقد.
فالشعور بالخطر ومواجهته- كما يقول سيد قطب- يستثير كوامن النفس، وطاقات العقل، ويشد العضل، ويُدرب الطاقات البشرية على العمل، ويشحذها للتلبية والاستجابة (?).