إن أخطر مرض يمكن أن تصاب به أمة من الأمم هو اليأس والانكسار الداخلي ...
يؤكد على هذا المعنى محمد أمين المصري- رحمة الله- في كتابه (المسئولية) فيقول اليأس القتَّال، والخور المميت، والثقة المفقودة، كل هذه هي العدو الحقيقي، والعقبة الكبرى التي تواجه المسلمين، أما العدو الخارجي: الصهيونية، والصليبية، والدعوات الملحدة، فكلها أمرها يهون إذا استطعنا أن نغير ما بأنفسنا لنقر فيها معاني الإيمان، واليقين، والصبر، والجلد، والثقة، والعمل.
إن أكبر المصائب أن يصاب المرء في نفسه، ذلك أن معالجة أي خطر ممكنة ميسرة حينما تكون تربية الأفراد تربية قوية تستطيع أن تجابه المصاعب وتصمد للشدائد.
ولقد بين الله تباركت أسماؤه بشأن يهود بني النضير حين غلبهم المسلمون أنهم لم يُؤتَوا لنقص في ذخيرتهم أو عددهم أو منعة حصونهم ولكن الله تعالى أصابهم بذنوبهم من داخلهم، إذ قذف الله في قلوبهم الرعب، فكان ذلك أكبر المصائب وكان العامل في تسليم ديارهم وتخريب بيوتهم ... قال تعالى: {مَا ظَنَنْتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأبْصَارِ} [الحشر: 2].
ويستطرد قائلاً:
ولقد أُتي المسلمون اليوم من قبل أنفسهم، وقذف الوهن في قلوبهم ... قال أحد الباحثين المحدثين: إن الأسباب الحقيقية لكل انحطاط داخلية لا خارجية، وليس علينا أن نلوم العواصف حين تحطم شجرة نخرة في أصولها، إنما اللوم على الشجرة النخرة نفسها (?).
عندما تتمكن الهزيمة النفسية من فرد (ما) إثر فشله المتكرر في بلوغ هدفه، فإن الإحباط يتسرب إلى نفسه، واللامبالاة تسيطر على حركته.
تنحط اهتماماته، وينغمس فيما يشبع غرائزه وشهواته.
ينظر دوما إلى النصف الفارغ من الكوب ... يكثر من النقد للآخرين ... لا يحب الناجحين، ويعمل دوما على تشويه صورتهم والبحث عن نقائصهم.
كلامه بلا روح، وآراؤه انهزامية.
تسيطر على مخيلته أخلاط اليقظة، والأماني الكاذبة بالاشتهار بين الناس، وفعل الخوارق والمعجزات.
الهزيمة النفسية لها آثار سلبية خطيرة على أي محيط تغزوه، ولقد تعرفنا في الأسطر السابقة على بعض مظاهرها عندما تنال من الفرد، فإن كان هذا الفرد يعمل في حقل الدعوة الإسلامية؛ كانت الآثار أخطر، وكيف لا، والدعاة إلى الله، والعاملون للإسلام هم قلب الأمة النابض؟!
ولعل من أبرز صور الهزيمة النفسية عند العاملين في حقل الدعوة: «غياب الروح».
فإن قلت: وهل يمكن أن تغيب الروح عن هؤلاء وهم الذين يقومون بأشرف مهمة، ويشكلون حائط الصد الأساسي لحماية الأمة؟
تغيب الروح عندما يضعف الإيمان في القلب: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحديد: 16].
مع الأخذ في الاعتبار أن تطاول الزمن دون تحسن للواقع بشكل ملحوظ، والحصار الطويل للدعوة، بالإضافة إلى إلف الأعمال الدعوية المتكررة لها أثر كبير في إضعاف الروح عند بعض العاملين.