عندما ننظر إلى واقع الأمة الإسلامية نجد أنها في أشد حالات الضعف والتخلف، وليس هذا فحسب، فالضعيف يمكنه أن يقوى، والمتخلف عن الركب يمكنه اللحاق إن عزم على ذلك، ولكن الأخطر من حالة الضعف التي تمر بها الأمة هو تسرب الشعور باليأس من إمكانية النهوض، وشيوع ثقافة الإحباط والهزيمة النفسية بين غالبية أفراد الأمة.
ولقد تفنن أعداء الإسلام في ابتكار الوسائل التي تحطم معنويات المسلمين، وتُشعرهم باليأس، وتجعلهم يفقدون الأمل في عودة مجد الإسلام من جديد.
فمن تلك الوسائل تسريبهم المعلومات عن خططهم للسيطرة على بلاد الإسلام، وكشفهم للطرق التي يستخدمونها لإذلال المسلمين مع إدراكهم عدم قدرتهم للرد عليهم فتكون النتيجة: مزيدا من الانكسار الداخلي في النفوس، ولعلنا نتذكر تلك الصور التي نشرتها وسائل الإعلام بعد احتلال الولايات المتحدة للعراق، والتي تبين حجم التعذيب والإهانة وإهدار الآدمية التي تعرض لها أهل العراق المسلمون فيما سمي وقتها بفضيحة (سجن أبو غريب)، ولا يخامرني شك في أن نشر هذه الصور بهذه الطريقة كان متعمدًا - إلى حد كبير- ليخدم بالدرجة الأولى مخطط أعداء الإسلام الذي يرمي إلى إضعاف الروح المعنوية للمسلمين، والعمل على تيئيسهم، ونشر الشعور بالإحباط بينهم، والدليل على ذلك تلك الحالة التي أصابت الكثير من المسلمين آنذاك والتي اضطرت بعضهم للذهاب إلى عيادات الطب النفسي للتخلص من الشعور بالكآبة والإحباط الذي أصابه.
أخي .. تصور معي هذا المشهد:
بينما رجل يجلس آمنًا في بيته بين زوجته وبناته، إذ بعصابة من المجرمين يقتحمون داره، ويلتفون حوله، وبعد تدافع بينهم يتمكنون من الإمساك به، وشدِّ وثاقه، لينتشروا بعد ذلك في بيته ويبدأون بالعبث في محتوياته، ثم إذا بأيديهم تمتد إلى زوجته وبناته وهو يصرخ ويصرخ ولا يستطيع أن يفعل شيئاً، ويشتد صراخه ولا مجيب، ثم يتركون النساء ويرتاحون قليلاً، ليعيدوا الكرة بعد ذلك فيصرخ ويصرخ ولكن ليس كالصراخ الأول فقد بدأت بوادر الهزيمة النفسية والانكسار تظهر عليه .. وبمرور الوقت يخفت صوته شيئاً فشيئاً حتى يتلاشى ..
هذا المشهد ينطبق إلى حد بعيد مع حال أمتنا وما يفعله بها أعداؤها.
ويكفيك تأكيدًا على هذا المعني ما حدث في موضوع نشر الرسوم المسيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي عام 1427هـ (2006م) نشرت جريدة في الدانمارك رسوما مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، فانتفض العالم الإسلامي وخرجت الجماهير الغاضبة في مظاهرات حاشدة تشجب وتندد، وعقدت المؤتمرات، وتوالت البيانات التي تستنكر الحدث و ... ، ثم هدأت العاصفة ..
وبعد قرابة العامين أعيد نشر الرسوم مرة أخرى في أكثر من جريدة دانماركية وأوروبية، فثار العالم الإسلامي مرة أخرى ولكن بصورة أقل بكثير من المرة الأولى، وهكذا ينجح أعداؤنا - ولو مرحليا - في تحطيم معنويات المسلمين، والدفع بهم نحو مزيد من الانكفاء على الذات والانغماس في الملهيات، وقتل الأمل في نفوسهم، وبذلك لا تقوم لهم قائمة، ولا يعلو لهم صوت، فهم يعلمون جيداً أن الهزيمة النفسية هي أشد أنواع الهزائم فتكاً بالأمم والأفراد .. :