م يجد في القياس سبيلاً إلى معرفة حكم الواقعة، سلك سبيلاً أخرى من السبل التي مهدتها الشريعة للوصول إلى استنباط الحكم فيما لا نص فيه.
ومما ينبغي التنبيه إليه أمور ثلاثة:
أحدهما: أن الاجتهاد لا يتجزأ:
أي انه لا يتصور أن يكون العالم مجتهداً في أحكام الطلاق وغير مجتهد في أحكام البيع، أو مجتهد في أحكام العقوبات، وغير مجتهد في أحكام العبادات، لأن الاجتهاد كما يؤخذ مما قدمناه أهلية وملكة يقتدر بها المجتهد على فهم النصوص واستثمار الأحكام الشرعية منها، واستنباط الحكم فيما لا نص فيه. فمن توافرت فيه شروط الاجتهاد وتكونت له هذه الملكة لا يتصور المدينات دون العقوبات أو في العقوبات دون المدنيات، ولكن لا يتصور أن يكون قادراً على الاجتهاد في هذا الموضوع من الأحكام دون هذا. ولأن عماد المجتهد في اجتهاده فهم المبادئ العامة وروح التشريع التي بثها الشارع في مختلف أحكامه وبني عليه تشريعه. وهذه الروح التشريعية والمبادئ العامة لا تخص باباً دون باب من أبواب الأحكام، وفهمها حق فهمها لا يتم غلا بأقصى ما يستطاع من استقراء الأحكام الشرعية وحكمها في مختلف الأبواب. وقد يكون هادي المجتهد في أحكام الزواج مبدأ أو تعليلاً تقرر في أحكام البيع. فلا يكون مجتهداً إلا إذا كان على علم تام بأحكام القرآن والسنة حتى يصل من مقارنة بعضها ببعض، ومن مبادئها العامة إلى الاستنباط الصحيح.
وثانيها: أن المجتهد مأجور، إن أصاب فله أجران:
أجر على اجتهاده وأجر على إصابته الصواب، وإن أخطأ فله أجر واحد على اجتهاده، لأننا قدمنا أن الله سبحانه ما ترك الناس سدى، بل شرع لكل فعل من أفعال المكلفين حكماً، ونصب لكل حكم دليل يدل عليه، وطلب من أهل النظر في هذه الأدلة أن ينظروا فيها ليهتدوا إلى حكمه، فمن توافرت فيه أهلية النظر فيها، واجتهد حتى وصل إلى الحكم الذي أداه إليه اجتهاده، فهو مأجور على