هذا الاجتهاد وواجب عليه ان يعمل فى قضائه وافتائه بما أداه اليه اجتهاده لأنه حكم الله حسب ظنه الراجح، والظن الراجح كما قدمنا، كاف في وجوب العمل. ولا يجب على غيره أن يقلده في العمل بما وصل إليه اجتهاده، لأن قول أي إنسان بعد الرسول المعصوم ليس حجة واجباً أتباعه على أي مسلم، وإنما يجوز للعامة الذين ليست لهم ملكة الاجتهاد واستثمار الأحكام من نصوصها، أن يتبعوا المجتهدين ويقلدهم مصداق قوله تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [الأنبياء:7]
ثالثها: أن الاجتهاد لا ينقض بمثله:
فلو مجتهد في واقعة وحكم فيها بالحكم الذي أداه إليه اجتهاده، ثم عرضت عليه صورة من هذه الواقعة فأداه اجتهاده إلى حكم آخر، فإنه لا يجوز له نقض حكمه السابق، كما لا يجوز لمجتهد آخر خالف في اجتهاده أن ينقض حكمه، لأنه ليس الاجتهاد الثاني بأرجح من الأول، ولا اجتهاد أحد المجتهدين أحق أن يتبع من اجتهاد الآخر، لأن نقض الاجتهاد بالاجتهاد يؤدي إلى أن لا يستقر حكم وإلى أن لا تكون للشئ المحكوم به قوة، وفي هذا مشقة وحرج.
وقد ورد أن عمر بن الخطاب قضى في حادثة بقضاء، ثم تغير اجتهاده فلم ينقض ما قضى به أولاً، بل قضى في مثل هذه الحادثة بالحكم الآخر الذي أداه غليه اجتهاده الثاني، وقال: ذلك على ما قضينا وهذا على ما نقضي. وقد قضى أبو بكر في مسائل وخالفه بعده عمر فيها ولم ينقض حكمه، وعلى هذا المعنى ينبغي أن يفهم قول عمر بن الخطاب في عهده لبي موسى الأشعري حين ولاه القضاء: ((لا يمنعك قضاء قضيته اليوم فراجعت فيه نفسك، وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق، فإن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل)) .