المتأخر منهما ناسخ للسابق فيعمل به، ويعلم هذا من الرجوع على أسباب نزول الآيات، وورود الأحاديث، وجمع الأمثلة التي قدمناها في نسخ بعض الآيات لأحكام بعض آيات أخرى، ثابت فيها أن الناسخ لاحق في وروده للمنسوخ.
وإن لم يمكن الجمع والتوفيق بين النصين ولا ترجيح أحدهما على الآخر، ولم يعلم تاريخ ورودها، نوقف عن الاستدلال بهما، ونظر في الاستدلال على حكم الواقعة التي فيها التعارض بدليل غيرهما كأنها واقعة لا نص فيها. وهذه صورة فرضية لا وجود لها.
وإن كان التعارض بين دليلين شرعيين ليسا نصين، كالتعارض بين قياسين، فهذا قد يكون تعارضاً حقيقياً، لأنه قد يكون أحد القياسين خطأ، فإن أمكن ترجيح أحد القياسين على الآخر عمل به.
ومن طرق ترجيح أحد القياسين على الآخر أن تكون علة أحدهما منصوصاً عليها، وعلة الآخر مستنبطة، أو تكون علة أحدهما مستنبطة بطريق إشارة النص، وعلة الآخر مستنبطة بطريق المناسبة.
ومجال الأصوليين في طرق التوفيق أو الترجيح بين النصوص والأقيسة المتعارضة ذو سعة، ومن طرق الترجيح طرق موضوعية قرروا فيها مبادئ ترجيحية عامة، مثل قولهم: إذا تعارض المحرم والمبيح، رجح المحرم. وقولهم: إذا تعارض المانع والمقتضى، قدم المانع.
والله يوفق من يريد الحق، ويهدي من يشاء إلى طريق مستقيم.