بيانه. ولهذا أعطى الله ورسوله سلطة التبيين بقوله: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] ، وبيّن الرسول بسننه القولية والفعلية ما أجمل في القرآن، واتفق العلماء على أنه لا يسوغ تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه.
وثانيها: أن يكون معلوما أن التكليف به صادر ممن له سلطان التكليف، وممن يجب على المكلف اتباع أحكامه لأنه بهذا العلم تتجه إرادته إلى امتثاله، وهذا هو السبب في أن أول بحث في أي دليل شرعي هو حجيته على المكلفين، أي أن الأحكام التي يدل عليها أحكام واجب على المكلفين تنفيذها. وهو السبب أيضا في أن كل قانون وضعي يتوجب بالديباجة الخاصة التي تدل على أن الحاكم أصدر القانون بناء على عرض مجلس الوزراء وموافقة البرلمان، ليعلم المكلفون أن القانون صادر ممن لهم سلطان التشريع، وممن يجب عليهم امتثال تكاليفهم؛ فيتجهوا للتنفيذ.
ويلاحظ أن المراد بعلم المكلف بما كلف به إمكان علمه به، لا علمه به فعلا، فمتى بلغ الإنسان عاقلا قادرا على أن يعرف الأحكام الشرعية بنفسه أو بسؤال أهل الذكر عنها، اعتبر عالما بما كلف به، ونفذت عليه الأحكام وألزم بآثارها ولا يقبل منه الاعتذار بجهلها. ولهذا قال الفقهاء: لا يقبل في دار الإسلام عذر الجهل بالحكم الشرعي، لأنه لو شرط لصحة التكلف علم المكلف فعلا بما كلف به ما استقام التكليف، واتسع المجال للاعتذار بجهل الأحكام.
وعلى هذا التقنين الوعي، فالناس يعتبرون عالمين بالقانون بتيسير إمكان علمهم به، وذلك بنشره بالطريق القانوني بعد إصداره. ولا اعتبار لأن كل فرد من المكلفين علم به فعلا أو لا، ولذا جاء في مادة (22) من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية: "لا يقبل من أحد أن يدعي بجهله القانون". وكذلك المراد بعلم المكلف بأن تكليفه بما كلف به صادر ممن يجب عليه امتثال أحكامه، وإمكان علمه بهذا لا علمه به فعلا.
فكل حكم شرعي يمكن للمكلف أن يعرف دليله، وأن يعرف أن دليله