حجة شرعية، على المكلفين إتباع ما يستمد منه، سواء أكان هذا بنفسه أم بواسطة سؤال أهل الذكر عنه.
وثالثها: أن يكون الفعل المكلف به ممكنا، أو أن يكون في قدره المكلف أن يفعله أو أن يكف عنه. وتفرع عن هذا الشرط أمران:
أحدهما: أنه لا يصح شرعيا التكليف بالمستحيل، سواء أكان مستحيلا لذاته أم مستحيلا لغيره. فالمستحيل لذاته أي المستحيل عقلا هو ما لا يتصور العقل وجوده، كالجمع بين الضدين، مثل إيجاب الفعل وتحريمه في وقت واحد، على شخص واحد؛ أو الجمع بين النقيضين كالنوم واليقظة في وقت واحد. والمستحيل لغيره، أو العادي، وما يتصور العقل وجوده ولكن ما جرت سنن الكون ولا العادة المطردة بوجود، كطير الإنسان في الهواء بغير طائرة ووجود زرع بغير بذرة، لأن ما لا يتصور وجوده عقلا أو عادة لا يمكن للمكلف فعله، وهو ليس في وسعه، والله لا يكلف نفسها إلا وسعها، وهو حكيم منزه عن العبث وعن التكليف بفعل ما لا سبيل إلى فعله. وعن هذا تفرع قول الأصوليين: "الشخص الواحد في الوقت الواحد بالشيء الواحد لا يؤمر وينهي"، لأن هذا تكليف بالجمع بين النقيضين، وهما فعل الشيء وتركه في وقت واحد من مكلف واحد.
وثانيهما: أنه لا يصح شرعا تكليف المكلف بأن يفعل غيره فعلا أو يكف غيره عن فعل، لأن فعل غيره أو كف غيره ليس ممكنا لو هو، وعلى هذا لا يكلف إنسان بأن يزكي أبوه أو يصلي أخوه أو يكف جاره عن السرقة. وكل ما يكلف به الإنسان مما يخص غيره هو النصح، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وهذا من فعله المقدور له.
وكذلك لا يصح شرعا أن يكلف الإنسان بأمر من الأمور الجبلية للإنسان التي هي مسببات لأسباب طبيعية ولا كسب للإنسان فيها ولا اختيار، كالانفعال عند الغضب، والحمرة عند الخجل، والحب والبغض، والحزن والفرح، والخوف