كمال الدين بن العديم: عمر بن أحمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن أحمد ابن يحيى بن زهير بن هارون بن موسى بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن أبي جرادة ابن عامر بن ربيعة بن خويلد بن عوف بن عامر بن عقيل العقيلى الحلبى الحنفى، كمال الدين أبو القاسم، الأمير الوزير، الرئيس الكبير.
ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة، وسمع الحديث، وحدث وتفقه، وأفتى ودرس، وصنف، وكان إماماً في فنون كثيرة، وترسَّلَ إلى الخلفاء والملوك مراراً عديدة، وكان يكتب حسناً طريقة مشهورة، وصنف لحلب تاريخاً مفيداً يقرب من أربعين مجلداً، وكان جيد المعروف بالحيدث، حسن النظر بالفقراء والصالحين، كثير الإحسان اليهم، وقد أقام بدمشق في الدولة الناصرية المتأخرة.
وكانت وفاته بمصر، ودفن بسفح الجبل المقطم بعد الشيخ عز الدين بعشرة أيام.
وفي تاريخ النويري: وكان قد قدم إلى مصر لما جفل الناس من التتار، ثم عاد إلى حلب بعد خرابها، فلما نظر إليها ورأى ما فعله التتار بها تأسف وقال في ذلك قصيدة طويلة، من جملتها هي هذه:
هو الدَّهرُ ما تَبْنيه كفَّاك يهدمُ ... وإن رُمْتَ إنصافاً لديه فَيَظْلِمُ
أبادَ ملوكَ الأرض كسرى وقيصرا ... وأصمت لدى فرسانها منه أسهمُ
ومُلكُ بنى العباس زَالَ ولم يَدَعُ ... لهُم أثراً من بعدهم وهُمُ هُمُ
وأعتابُهُم أضحت تُدَاسُ وعَهْدُها ... تُبَاسُ بأفواه الملوك وتُلْثَمُ
وأفنى بنى أيوب كُثْرَ جميعهم ... وما منهم إلاَّ مليكٌ مُعَظم
وعن حَلَبٍ ما شِئْتَ قُلْ من عجائب ... أَحَلَّ بها يا صاح إن كنت تَعْلَمُ
غداة أتاها للمنيَّة بَغْتَةً ... من المُغل جيشٌ كالسحاب عرَمْرَمُ
أحاطوا كأسراب القطا يربوعها ... على سُبَّقٍ جًرّدٍ من الخيل طُهَّمُ
ومن بَعْد ستٍ هاجَمُوها ومالهم ... من المت واقٍ لا ولا مِنهُ مِعْصَمُ
فما دفعت أسوارُها عنهم الذى ... دهَاهُم ولا ما شيَّدُوه ورمَّموا
أتوها كأمواج البحار زواخِر ... ببيضٍ وسمرٍ والقُتامُ مخيمُ
فلو حلب البيضاَ عاينْت تُرْبها ... وقد عندمَ الفضىَّ من تُرْبها الدَّمُ
وقد سُيِّرَتْ تلك الجِبالُ وسُجرَت ... بهنَّ بحارُ الموت والجوّ أَقْتَمُ
وقد عطلَت تلك العشارُ وأذهلتْ ... مراضعُ عما أرضعتْ وهىَ هيَّمُ
فيالك من يوم شديد لغامُهُ ... وقد أصبحت فيه المساجد تُهدمُ
وقد درست تلك المدارس وارتمتْ ... مصاحفُها فوق الثرى وهي تُهْضمُ
وقد جُزِزَتْ تلك الشعور وضمخت ... وجوه بأمواه الدماء وهي تُلطم
وكلُّ مهاةٍ قد أُهينت سبية ... وقد طال ما كان تعزُّ وتُكرم
تُنادى إلى مَنْ لا يُجيبٌ نداءها ... وتشكو إلى َنْ لا يرِقُّ ويُرحم
فما غادروا إلا اليسير وقد أتى ... الحسابُ على الباقين بالحرف يُقَسَمُ
وأقوَتْ رسوم كنّ فيها وأقفرت ... رُبوع بهم كانت تنهر وترسمُ
فأيقنتُ أن الأرض ما دَتْ وأقبلَتْ ... بها الصاخَّة الكُبرى والآن التنقُّم
فيا حلَباً أنَّى رُبُوعك أقفرَتْ ... وأعيْتَ جوابا فهى لا تتكلَّمُ
وكُنْتِ لمن وافاك بالأمس جَنَّةً ... فما بالُ هذا اليوم أنت جَهَنَّمُ
بأي جناً منك استحقيتُ ذي الذي ... أصابك والأعداءُ فيك تحَّموا
وكيف أصابتك الحوادث غرَّة ... بعين الردى والبُؤسُ عنك يُتَرجْمُ
أما كنت ملجأً لمن خاف حايراً ... وفيك لذى البأساءِ والضرّ أنعمُ
أما كنْتِ للوفود ومقصداً ... يخافُك ذو شرٍ ويرجوك مُعْدمُ
أما كنت للداعى إذا ما دعى جدا ... وفيك لمن يبغى من البغْى مُقْدِمُ