ومنها: أن السلطان رسم للعساكر التي بالشام بالغارة على بلد أنطاكية، فتوجه الأمير شمس الدين سنقر الرومى بمن كان قد جرد معه لتشييع الخليفة الذي قتل، وتوجه صاحب حماة وحمص فأغاروا عليها، وأخذوا ميناءها، ونهبوا وغنموا، وعادوا سالمين غانمين إلى مصر، ومعهم أزيد من ثلاثمائة أسير، فقابلهم السلطان بالإحسان والإنعام.
ومنها: أن السلطان أرسل رسولا إلى الأشكرى صاحب قسطنطينية، ووجه صحبته بطرك الملكية بمصر، فإن الأشكرى كان قد سير رسله يلتمس إنقاذه إليه، وكان الذي أرسله السلطان الأمير أقوش المسعودى، ولما بلغ الرسالة عاد وعاد معه البطرك، وقد حصل له من الأشكرى مال وقماش ومصوغ، فعرضه على السلطان فرده عليه.
وأخبر الرسول المذكور بأن الأشكرى أبقى الجامع الذي بالقسطنطينية، فأمر السلطان أن يجهز له الحصر والستور والقناديل والمباخر والسجادات والطيب، وكان هذا المسجد قد بنى في سنة ست وتسعين عندما وقع العداء مع الروم في خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان، وأن بانيه مسلمة بن عبد الملك.
ومنها: أن السلطان عزل عن القضاء بمصر والقاهرة القاضي بدر الدين السنجارى، وأُعيد القاضى تاج الدين بن بنت الأعز.
وفي هذه السنة أمر السلطان للقاضى تاج الدين هذا بأن يستنيب من المذاهب الثلاثة، فاستناب صدر الدين سليمان الحنفى، والشيخ شرف الدين عمر السبكى المالكى، والشيخ شمس الدين محمد بن الشيخ العماد الحنبلى.
منها: أن في نصف رجب وردت جماعة من مماليك الخليفة المستعصم البغاددة، وكانوا قد تأخروا في العراق بعد استيلاء التتار على العراق وقتل الخليفة، وكان مقدمهم يسمى شمس الدين سلار، فأحسن الملك الظاهر ملتقاهم وعين لهم إقطاعات بالديار المصرية.
ومنها: أن في ذي الحجة من هذه السنة ظهر بين القصرين بالقاهرة عند الركن المخلق مجر مكتوب عليه: هذا مسجد موسى عليه السلام، فخلق بالزعفران، وسمى من ذلك اليوم الركن المخلق.
ومنها: أن في رجب وصل إلى القاهرة إلى خدمة الملك الظاهر عماد الدين ابن مظفر الدين صاحب صهيون وصحبته هدية جليلة، فقبلها الملك الظاهر وأحسن إليه.
ومنها: أنه جهز الملك المنصور صاحب حماة شيخ الشيوخ شرف الدين الأنصارى رسولا إلى الملك الظاهر، ووصل شيخ الشيوخ المذكور فوجد السلطان الملك الظاهر عاتبا على صاحب حماة لاشتغاله عن مصالح المسلمين باللهو، وأنكر الملك الظاهر علىالشيخ شرف الدين ذلك، ثم انصلح خاطره وحمله ما طيب به قلب صاحبه الملك المنصور، ثم عاد إلى حماة.
ومنها: أنه وصل رسل السلطان عز الدين صاحب الروم إلى السلطان الملك الظاهر يستنجده ويستمدّه، وكان أرسلهم لما ضايقه أخوه قبل انهزامه إلى بلاد الأشكرى، وهم شرف الدين الجاكى، والشريف عماد الدين الهاشمى، والأمير ناصر الدين بن كُوجْ رسلان أمر حاجب، ووصل معهم كتابه بأنه نزل للسلطان عن نصف مملكته، وسير دروجا عليها علائمه ليكتب فيها مناشير بما يقطعه السلطان من بلاده لمن يشاء، فأكرم السلطان رسله، وجهز السلطان الأمير ناصر الدين أغلمش الصالحى ليتوجه إليه بجماعة من العسكر وأقطعه ثلثمائة فارس في الروم، ولما وقع الاهتمام بذلك جاءت الأخبار بانهزامه، فتأخر الحال، فكان كما قيل:
أَهُمُّ بامر الحزْم لو أستطعيُه ... وقد حيل بين العيرِ والنزوان
ومنها: أنه وصل من عند التتار قصاد إلى الملك المنصور صاحب حماة ومعهم فرمان له، فأرسل القصاد والفرمان إلى السلطان الملك الظاهر.
ومنها: أن في هذه السنة اصطاد بعض الأمراء الظاهرية بجرود حمار وحش، فطبخوه فلم ينضج، ولا أثر فيه كثرة الوقود، ثم افتقدوا أمره فإذا هو موسوم على أذنه بهرام جور، ذكره ابن خلكان وقال: قد أحضروه إلَّي فقرأته كذلك، وهذا يقتضى أن لهذا الحمار قريباً من ثمانمائة سنة، فإن بهرام جور كان قبل المبعث بمدة متطاولة، وحمر الوحش تعيش دهراً طويلاً.
وقال ابن كثير: يحتمل أن يكون هذا بهرام شاه الملك الأمجد؛ إذ يبعد بقاء مثل هذا بلا اصطياد هذه المدة الطويلة ويكون الكاتب قد أخطأ فأراد كتابة بهرام شاه، فكتب بهرام جور وحصل اللبس من هذا.