وأما المصريُّون فإنهم دخلوا إلى القاهرة بالأُسارى والسناجق المقلَّبَة، والطبول المشقَّقة، والخيول والأموال والعدد، ولما وصولا إلى تربة الملك الصالح نجم الدين أيوب أحدقوا بالصالح إسماعيل، وصاحوا ياخوند: أين عينك ترى عُدّوك، ورموا الأسارى في الجبل، وجمعوا بين الصالح إسماعيل وبين أولاده أيَّاما، ثم غيَّبوُه.
وأما المماليك فمالوا على المصريّين قتلا ونهبا، ونهبوا أموالهم، وسبوا حريمهم، وفعلوا بهم مالا يفعل الفرنج بالمسلمين.
وكان السامرى، وزير الصالح إسماعيل، معتقلا في القلعة في جب هو وناصر الدين بن يغمور، وسيف الدين القيمرى، والخوارزمى صهر الملك الناصر يوسف، فخرجوا من الجّب، وعصَوا في القلعة. ولم يوافقهم سيف الدين القيمرىّ، بل جاءَ فقعد على باب الدار التى فيها عيال الملك المعز أيبك التركمانى وحماهم، فلم يدع أحداً يقربها.
وأما الباقون فصاحوا الملك الناصر يا منصور، وجاء الترك ففتحوا باب القلعة ودخلوا، فشنقوا السامرىَّ وابن يغمور والخوارزْمىّ متقابلين، ولكن لا على سرر، وشنقوا المجير بن حمدان، وكان شابَّا حسنا، قالوا: تعدى على بعض المماليك، ونهب خيله.
وأما الملك الناصر يوسف صاحب حلب، فإنه وصل إلى غزة في حالة عجيبة، وأقام ينتظر أصحابه، فوصل إليه مَنْ سلم منهم، ومن عسكر الشام، وابن صاحب الموضل وكان معه.
وقال المؤيَّد وغيره: ثم بعد هزيمة الملك الناصر يوسف صاحب حلب سار فارس الدين أقطاى من الديار المصرية ومعه ثلاث آلاف فارس إلى غزة وملكها، واستولى عليها، ثم عاد إلى الديار المصرية.
وفيها أمر الملك المعزّ ببناء مدرسته التى بدار الملك بمصر على البحر، فبُنيت.
وفيها: وفيها:
عبد الملك بن عبد السلام بن الحسن اللمغانى الحنفى، مدرس مشهد أبي حنيفة رضى الله عنه، وهو أخو عبد الرحمن، وعم محمد بن علىّ بن عبد السلام ابن الحسن اللمغانى.
وكان رجلا فاضلا من بيت العلم والرئاسة، توفى في هذه السنة، ودفن بمقبرة الخيزران.
الحافظ المسند أبو الحجاج يوسف بن أبي الصفا خليل بن عبد الله الدمشقي الآدمى المنعوت بالشمس، نزيل حلب.
مات بحلب في العاشر من جمادى الآخرة، ودفن بظاهر باب الأربعين، ومولده بدمشق في سنة خمس وخمسين وخمسمائة، سمع الكثير، ومعجم شيوخه يزيد على أربعمائة شيخ.
أمين الدولة أبو الحسن غزال المتطبب، وزير الملك الصالح عماد الدين إسماعيل.
وكان سامريا كما ذكرناه وكان سببا على هلاك نفسه، وعلى سلطانه، وسبب زوال النعمة عنه وعن مخدومه، وهذا هو الوزير السوء.
وقال السبط: فسبحان من أراح المسلمين بقتله، وقد ذكرنا قتله عن قريب.
قال: وما كان مسلما، ولا سامريا بل كان يتستر بالإسلام، ويبالغ في هدم شريعة المصطفى عليه السلام، وبلغنى ان الشيخ إسماعيل الكوراني رحمه الله قال له يوماً وقد زاره: لو بقيت على دينك كان أصلح لأنك تتمسك بدين في الجملة، أما الآن فأنت مذبذب لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
ولقد ظهر له من الأموال والجواهر واليواقيت والتحف والذخائر مالا يوجد في خزائن الخلفاء ولا السلاطين، وأقاموا ينقلونه مدة سنين، فبلغنى أن قيمة ما ظهر ثلاثة آلاف ألف دينار، غير الودائع التي كانت له عند أصدقائه والتجار، ووجد له عشرة آلاف مجلد من الكتب النفيسة والخطوط المنسوبة، فتمزق الجميع في زمان يسير.
الملك الصالح عماد الدين إسماعيل أبو الجيش بن الملك العادل أبي بكر ابن أيّوب واقف تربة أم الصالح.
وقد كان مملكا عاقلا حازما، تقلَّبت به الأحوال أطوارا كثيرة.
وقد كان الملك الأشرف بن العادل أوصى له بدمشق من بعده، فملكها شهورا، تم انتزعها منه أخوه الملك الكامل، ثم ملكها من يد الملك الصالح نجم الدين أيُّوب خديعةً ومكراً، فاستمر فيها أزيد من أربع سنين، ثم استعادها منه الملك الصالح أيُّوب عام الخوارزميَّة سنة ثلاث وأربعين وستمائة، واستقرت بيده بلداه بعلبك وبُصْرى، ثم أُخذتا منه كما ذكرنا، ولم يبق له بلد يأوى إليه، فلجأ إلى المملكة الحلبية في جوار الملك الناصر يوسف صاحب حلب، فلما كان في هذه السنة ما ذكرنا من القتال بين الشاميين والمصريين أسر الصالح وأحضر إلى القاهرة.