وفي تاريخ ابن كثير: ثم بعد استقرار أيدكين البندقدار في دمشق ورد عليه مرسوم الملك الظاهر بالقبض على بهاء الدين بغدى الأشرفى، وعلى شمس الدين أقوش البرلى، وغيرهما من العزيزية والناصرية وبقى علاء الدين أيدكين متوقفا في ذلك، فتوجه بغدى إلى ايدكين فحال دخوله عليه قبض على بغدى المذكور، فاجتمعت العزيزية والناصرية إلى أقوش البرلى، وخرجوا من دمشق ليلا على حمية ونزلوا بالمرج، وكان أقوش البرلى قد ولاه المظفر قطز غزة والسواحل كما ذكرنا، فلما جهز الملك الظاهر استاذه أيدكين البندقدار إلى قتال سنجر الحلبى، أرسل إلى البرلى وأمره أن ينضم إليه، فسار أقوش البرلى مع أيدكين وأقام بدمشق.

فلما قبض على بغدى خرج البرلى إلى المرج، وأرسل أيدكين إليه يطيب قلبه ويحلف له، فلم يلتفت إلى ذلك وسار إلى حمص، وطلب من صاحبها الأشرف ان يوافقه على العصيان فلم يجب إلى ذلك، ثم توجه إلى حماة، وأرسل يقول للملك المنصور صاحب حماة: إنه لم يبق من البيت الأيوبى غيرك، فقم لنصير معك ونملكك البلاد، فلم يلتفت الملك المنصور إلى ذلك، ورده رداً فبيحاً، فاغتاظ البرلى ونزل على حماة، وأحرق زرع بيدر العشر، وسار إلى شيزر ثم إلى جهة حلب.

وكان أيدكين لما استقر بدمشق قد جهز عسكرا صحبة فخر الدين الحمصى للكشف عن البيرة، فإن التتار كانوا قد نازلوها، فلما قدم البرلى إلى حلب كان بها فخر الدين الحمصى المذكور، فقال له البُرلى: نحن في طاعة الملك الظاهر، فتمضى إلى السلطان وتسأله أن يتركنى ومن في صحبتى مقيمين بهذا الطرف، ونكون تحت طاعته من غير أن يكلفنى وطأ بساطه.

فسار الحمصى إلى جهة مصر ليؤدى الرسالة.

فلما سار عن حلب تمكَّن البُرْلى واحتاط على ما في حلب من الحواصل، واستبدَّ بالأمر، وجمع العرب والتركمان واستعدَّ لقتال عسكر مصر.

ولما توجه فخر الدين الحمصى، لذلك التقى في الرمل جمال الدين محمد الصالحى متوجهاً بمن معه من عسكر مصر لقتال البرلى وإمساكه، فأرسل الحمصى، وعرف الملك الظاهر بما يطلبه البرلى، فأرسل الظاهر ينكر على فخر الدين الحمصى المذكور، ويأمره بالانضمام إلى المحمدى، والمسير إلى قتال البرلى، فعاد من وقته، ثم رضى الظاهر على علم الدين سنجر الحلبى وجهزه وراء المحمدى في جمع من العسكر، ثم أردفه بعز الدين الدمياطى في جمع آخر، وسار الجميع إلى جهة البرلى، وساروا إلى حلب وطردوه عنها.

وانقضت السنة والأمر على ذلك.

ومنها: نصب السلطان الملك الظاهر الخليفة للمسلمين، وأصل ذلك، أن في رجب من هذه السنة قدم إلى مصر جماعة من العرب ومعهم شخص اسمرُ اللون اسمه احمد، زعموا أنه ابن الإمام الظاهر بالله بن الناصر لدين الله، وأنه خرج من دار الخلافة ببغداد لما ملكها التتار، فعقد السلطان الملك الظاهر بيبرس مجلساً حضر فيه جماعة من الأكابر منهم الشيخ عز الدين بن عبد السلام والقاضى تاج الدين عبد الوهاب بن خلف المعروف بابن بنت الأعز، فشهد أولئك العرب أن هذا الشخص المذكور هو ابن الظاهر محمد بن الإمام الناصر لدين الله، فيكون عم المستعصم بالله الذى قتله هلاون، وأقام القاضى جماعة من الشهود واجتمعوا بأولئك العرب وسمعوا شهادتهم، فشهدوا بالنسب بحكم الاستفاضة، فأثبت القاضى تاج الدين نسب أحمد المذكور ولقبوه المستنصر بالله أبا القاسم أحمد بن الظاهر بالله محمد، وبايعه الملك الظاهر والناس بالخلافة.

ثم اهتم الظاهر بأمره، وعمل له الدهليز، والجمدارية، والسلاح دارية، وآلات الخلافة، واستخدم له عسكراً، وغرم على تجهيزة جملة طائلةً، قيل كانت جملتها ألف ألف دينار، وكانت العامة تلقب هذا الخليفة بالزراتيتى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015