منها: أنه في سابع صفر من هذه السنة ركب بشعار السلطنة، وأظهر المهابة المتمكنة، وشق المدينة، وقد زخرفت بالزينة، ونثرت عليه الدنانير والدراهم، وافيضت الخلع على الأمراء والمقدمين والوزراء والمتعممين على تفاوت اقدراهم، وكتب إلى صاحب المغرب، وصاحب اليمن، وملوك الشام، وثغور الإسلام، بما قدره الله له من القيام بأمر عباده وإيالة بلاده، واستبشرت به القلوب، وانجلت بدولته الكروب، واستمر بالصاحب زين الدين يعقوب ابن الزبير برهةً يسيرة، ثم عزله وولى الصاحب بهاء الدين على بن عماد الدين محمد الوزارة، وهذا بهاء الدين هو المعروف بابن الحنا، وولى القاضى تاج الدين عبد الوهاب بن الأعز خلف الحكم، وقرر قواعد الدولة على النظام، وأظهر عز ما ارهف من حد الحسام، وراعى القواعد الصالحية، وتبع الآثار النجمية.

وقال ابن كثير: وفى يوم الثلاثاء عاشر جمادى الأولى باشر القضاء بالديار المصرية العلامة تاج الدين عبد الوهاب بن القاضى الأعز أبي القاسم خلف ابن القاضى رشيد الدين أبي الثناء محمود بن بدر، وذلك بعد شروط ذكرها للملك الظاهر شديدة، فدخل تحتها الملك الظاهر، وعزل عن القضاء بدر الدين أبا المحاسن يوسف بن على السنجارى، ورسم عليه اياما.

ومنها في ربيع الآخر: قبض الظاهر على جماعة من الأمراء بلغه عنهم أنهم يريدون الوثوب إليه.

ومنها: أن الظاهر أمر ببناء مشهد على عين جالوت، لما شاهد من بركة ذلك المكان، فبنى هناك مشهد.

ومنها: أنه كتب إلى بركة بن صاين قان، صاحب البلاد الشمالية، كتابا يغريه بهلاون، ويعرفه أن جهاده واجب عليه، لتواتر الأخبار بإسلامه، ويلزمه إذا دخل في دين الإسلام أن يجاهد الكفار، فورد جوابه فيما بعد كما سنذكره إن شاء الله تعالى.

ومنها: أن الظاهر كتب منشور الإمرة على جميع العربان للأمير شرف الدين عيسى بن مهنا، وأحضر أمراء العرب وأجرى إقطاعاتهم، وسلم إليهم خفر البلاد، وألزمهم حفظها إلى حدود العراق.

ومنها: أن الظاهر جهز إلى الانبرور هدية من جملتها الزراف، وأرسل إليه جماعةً من التتار الأسارى المأخوذين في نوبة عين جالوت بخيولهم التترية وعدتهم.

ومنها: أن السلطان كتب إلى علم الدين سنجر الحلبى الذي كان الملك المظفر قطز ولاه نيابة دمشق، ثم أنه ركب في دمشق بشعار السلطنة، وخبط له على المنابر وتلقب بالملك المجاهد، وذلك حين بلغه مقتل الملك المظفر كما ذكرنا، فكتب إليه الظاهر بقبح هذا الفعل عليه ويتلطف به في الرجوع عنه، ثم جرد إليه الأمير جمال الدين المحمدى ليستميله ويرده إلى الصواب، وأرسل إليه صحبته مائة ألف وخمسة وشعرين الف درهم أنعاماً وحوائص ذهب وخلعاً نفيسة، فأشهد على نفسه بأنه قد نزل عن الأمر وأنه نائب من نواب السلطان.

ثم لم يلبث أن رجع إلى ما كان عليه من الخلاف، وركب بشعار السلطنة، فجهز السلطان إليه جيشاً صحبة الأمير علاء الدين أيدكين البندقدار، وهو أستاذ السلطان الملك الظاهر، فوصلوا إلى دمشق في ثالث صفر من هذه السنة، فخرج إليهم سنجر الحلبى لقتالهم، وكان صاحب حماة، وصاحب حمص بدمشق، ولم يخرجا من سنجر الحلبى، ولا أطاعاه لإضطراب أمره، ووقع القتال بينهم بظاهر دمشق في ثالث عشر صفر، فانهزم الحلبى، وولى وأصحابه معه، ودخل إلى قلعة دمشق حتى أجنه الليل، فهرب من قلعة دمشق إلى جهة بعلبك، فتبعه العسكر، وقبضوا عليه، وحمل إلى الديار المصرية، فاعتقله الظاهر بها، ثم أطلق.

واستقرت دمشق في ملك الظاهر بيبرس واقيمت له الخطبة بها وبغيرها من الشام مثل حماة وحمص وحلب وغيرها، واستقر أيدكين البندقدار الصالحى في دمشق لتدبير أمورها، ولما استقر الحال على ذلك رحل الملك المنصور صاحب حماة والأشرف صاحب حمص وعادا إلى بلادهما، واستقرا بها.

وقال بيبرس في تاريخه: وقرر السلطان الظاهر أن يكون حيدث القلعة بدمشق وأمر الأموال للأمير علاء الدين طيبرس الوزيرى الحاج، ثم رتبه في نيابة السلطنة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015