وعبر هلاون الفٌرات من البيرة وأخذها، ووجد بها السعيد بن العزيز أخا الملك الناصر يوسف معتقلاً، فأطلقه، وسأله عما كان في يده من البلاد فقال له: كانت في يدي الصبيبة وبانياس، فكتب له بهما فرمان وأحسن إليه، ثم سافر ونزل على حلب في ثاني صفر من هذه السنة، فحاصرها سبعة أيام، ثم افتتحها عنوة.
وفي تاريخ النويري: لما نزل هلاون على حلب في التاريخ المذكور أرسل إلى الملك المعظم توران شاه بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب نائب السلطنة بحلب يقول له: إنكم تضعفون عن لقاء المغول، ونحن قصدنا الملك الناصر والعساكر، فاجعلوا لنا عندكم بحلب شحنة وبالقلعة شحنة ونحن نتوجه إلى العسكر، فإن كانت الكسرة على عسكر الإسلام كانت البلاد لنا، وتكونون أنتم قد حقنتم دماء المسلمين، وإن كانت الكسرة علينا كنتم مخيرين في الشحنتين إن شئتم طردتموها وإن شئتم قتلتموهما.
فلم يجب الملك المعظم إلى ذلك، وقال لهم: ليس لكم عندنا إلا السيف.
وكان رسول هلاون إليهم في ذلك صاحب آرزن الروم، فتعجب من هذا الجواب، وتألم لما علم من هلاك أهل حلب بسبب ذلك، فلما رد الجواب غضب هلاون، وأحاط التتار بحلب ثاني صفر وهجموا في غد ذلك اليوم، وقتل من المسلمين جماعة كثيرة، منهم: أسد الدين ابن الملك الزاهر بن صلاح الدين، واشتدت مضايقة التتار لحلب، وهاجموها من عند حمام حمدان في ذيل القلعة يوم الأحد تاسع صفر وبذلوا السيف على المسلمين وصعد إلى القلعة خلق عظيم، ودام القتل والنهب في حلب من يوم الأحد المذكور إلى يوم الجمعة رابع عشر صفر، فأمر هلاون برفع السيف، ونودى بالأمان، ولم يسلم من أهل حلب إلا من إلتجأ إلى دار شهاب الدين بن عمرون، ودار نجم الدين أخى مردكين، ودار بازياد، ودار علم الدين قيصر الموصلى، والخانقاة التي فيها زين الدين الصوفى، وكنيسة اليهود، وكذلك أصحاب دور كانت فرمانات بأيديهم، قيل: إنه سلم بهذه الأماكن ما يزيد على خمسين الف نفس، ونازل التتار القلعة وحاصروها، وبها الملك المعظم توران شاه نائب الغيبة ومن التجأ إليها من العسكر، واستمر الحصار.
وقال بيبرس في تاريخه: قتل من حلب خلق كثير لا يكاد يُحصون، وسبى من النساء والذرارى زهاء مائة الف نفس من الأشراف والأعيان، وبيعوا في الجزائر الفرنجية والبلاد الأرزمنية، وبقى السيف مبذولاً، ودم الإسلام ممطولا، سبعة أيام وسبع ليال، ثم نودى برفع القتل والقتال.
وكان صاحب حماة قد توجه إلى دمشق، وتأخر بحماة الطواشي مرشد، ولما بلغ أهل حماة فتح حلب توجه الطواشى مرشد من حماة إلى الملك المنصور صاحب حماة بدمشق، وجاء كبراء حماة ومعهم مفاتيح حماة، وحملوها لهلاون وطلبوا منه الأمان لأهل حماة وشحنة تكون عندهم، فآمنهم هلاون وأرسل إلى حماة شحنة رجلاً أعجمياً كان يدعى أنه من ذرية خالد بن الوليد رضى الله عنه، يقال له خسروشاه، فقدم إلى حماة وتولاها وأمن الرعية، وكان بقلعة حماة مجاهد الدين قايماز أمير جاندار، فسلم القلعة إليه، ودخل في طاعة التتار.
ولما بلغ الناصر فتح حلب، رحل بمن معه من العساكر إلى جهة الديار المصرية، وفي صحبته الملك المنصور صاحب حماة، فأقام بنابلس أياماً، ورحل عنها، وترك فيها الأمير مجير الدين بن أبي زكرى، والأمير على بن شجاع وجماعة من العسكر، ثم رحل الملك الناصر إلى غزة، وانضم إليه مماليكه الذين كانوا قد أرادوا قتله، وكان قد اصطلح معه أخوه الظاهر غازي وانضم إليه.
وبعد مسير الناصر عن نابلس، وصل التتار إليها، وكبسوا العسكر الذى بها، وقتلوا مجير الدين والأمير على بن شجاع، ومعهما جماعة من العسكر.
وكانا أميرين جليلين فاضلين، وكانت البحرية قد قبضوا عليهما واعتقلوهما بالكرك، فأفرج المغيث عنهما لما وقع الصلح بينه وبين الناصر.