وفيها: سفّر الأمير علم الدين سنجر الجاولي الأستادار إلى الشام، وقُطع خُبزه من مصر لتغيّر حصل من ركن الدين بيبرس من جهته، وبعد وصوله إلى الشام بمدة أنعم عليه بإقطاع وإمرة، وكان قد تقدم إلى الدواوين بمحاققته على ما يتعلق بمباشرته، فعملوا عليه أوراقاً بجملة، وطُولب بجملتها، فشملته الصدقات السلطانية بالإعفاء من كلها، بعد وصوله إلى الشام بمدة أيام.

وفي الثامن من ذي الحجة: عزل الأمير سيف الدين بكتمر الحاجب عن شدّ دمشق، وولي عوضه الأمير جمال الدين أقوش الرسمي وإلى الولاة، وأعيد سيف الدين بكتمر إلى الحجوبية بدمشق.

وفيها: صرف القاضي سعد الدين بن عطايا عن الوزارة، وصودر على مائة ألف درهم خرّجت في معاملة البيوت مذ كان يباشرها، فقام بثمانين ألف منها، ثم سومح وأطلق، فلزم بيته، واستوزر عوضاً عنه القاضي ضياء الدين أبو بكر بن عبد الله النشائي، وكان يباشر ذلك الوقت نظر الدواوين، وقبله استيفاء المقابلة، فلما صارت الوزارة إليه كان فيها محكوماً عليه إلا أنه اعتمد لين الجانب وخفض الجناح، ومسالمة الناس. وكان الأمر والنهي والحل والعقد إلى التاج بن سعيد الدولة، فإنه كان مستبداً بالإشارة والنظر على الوزارة.

قال ابن كثير: وفي أول المحرم ظهر الوحشة بين الملك الناصر وبين الأمراء: سلار النائب، وركن الدين بيبرس الجاشنكير، وكان السلطان قد امتنع عن العلامة زماناً حتى ظنه الناس مريضاً، ثم عبرا له في ثالث الشهر، فتنكر لهما ومنعهما، فاستعطفاه وألانا له الكلام حتى رضي وخلع عليهما. ولما خرجا قويت نفوسهما، وأظهرا ما بنفوسهما، ورسما بأن يركب جماعة من العسكر وتقف تحت القلعة، فركب شمس الدين الأعسر بعد العشاء، فظهر السلاح، وشق القاهرة، ووقف تحت القلعة، وكذلك ركبت إخوة سلار، وهم: داود، وسمول، وحبا، فخرج إليهم بعض الوشاقية، فراسلوهم بالنبل، ووصل معهم سمول أخي سلار إلى الشباك الذي يجلس فيه السلطان.

وبات الأمراء تلك الليلة على مساطب الدركاه بباب القلة، ولما أصبحوا ترددت المراسلة بينهم وبين السلطان على لسان أقوش الموصلي، وسيف الدين أكراي، وبهاءالدين يعقوبا الشهر زوري، وسألوا رضى السلطان، والتمسوا منه بعض الخاصكية الذين هم سبب إثارة هذه الفتنة، فسيرهم إليه بعد أن استحلفهم أنهم لا يتعرضون إليهم بمكروه، وهم: سيف الدين بيبغا، الذي كان من خواص السلطان، وسيف الدين خاص ترك، وسيف الدين بقتمر، فأرسلوهم من وقتهم إلى القدس، وانتظم الصلح.

ولما بلغ ذلك الأمير أقوش الأفرم - نائب دمشق - أرسل يلوم الأمراء، ويعنفهم على ما وقع منهم في حق الأمراء، ويسأل إعادتهم، وإلاّ حضر هو بنفسه، فأعادوهم، فلم يسكن الأمير بيبغا القلعة بل بسويقة العزى، ثم لم يلبث أن مرض ومات، في السنة المذكورة.

وفي خامس عشر المحرم منها - بعد إخراج المماليك السلطانية - رسم بإخراج سيف الدين بكتمر الجوكندار وقطع خبزه، فأخرج من ساعته إلى الشام، فلما وصل إلى غزة عيّنت له الصبيبة فتوجه إليها فاستوحشها، فسأل غيرها، فعينت له صرخد، واتفقت وفاة الأمير سنقرجاه المنصوري - نائب صفد - فرسم له بها، فتوجه إليها، ولما خرج من مصر تولى بعده وظيفة أمير جاندار بمصر بكتوت الجوكندار المعروف بالفتاح.

ذكر بقية الحوادث

منها: ابتداء الأمير بيبرس في عمارة الخانقاه والتربة داخل بابي النصر، موضع دار الوزارة، فعمرت، وأوقف عليها أوقافاً جليلة، ومات قبل فتحها، فأغلقها الملك الناصر مدة ثم فتحها، ورتب فيها جماعة من الصوفية وأبقى بعض الأوقاف التي كانت لها، وارتجع البقية، وأما التربة فاستمرت مغلقة إلى آخر سنة خمس وعشرين وسبعمائة، كما نذكره إن شاء الله تعالى.

وفيها: كملت عمارة الجامع الجديد الذي بسفح قاسيون، والذي أنشأه جمال الدين أقوش الأفرم، وخطب فيه شمس الدين أبو العز الحنفي يوم الجمعة الرابع والعشرين من شوال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015