وحصل للحاج في هذه النوبة أمر لم يعهد بمثله، لأنهم كانوا ثلاث ركوب، ومن حين خرجوا من مصر لم يجد أحد ماء يروي دوابه إلى العقبة، وعند نزولهم إلى العقبة قل الواصل، وتحسّن الشعير، وبيع الأردب من الشعير بخمسين درهماً، وتم الأمر على ذلك وهم يرجون وصول المراكب إلى ينبع من مراكب الأمراء والتجار، فلم يصل شيء، وغرقت مراكب كثيرة، فتخبطت أحوال الناس، وغلت الأسعار، ثم عند رحيلهم إلى وادي النار لفح الناس هؤلاء بسموم، فهلك خلق كثير، ونشفت قربهم حتى صارت كالقدّ من اليبس، ولم يجدوا في الوجه ماء إلا قليلاً، ولفح الناس هواء أيضاً، فكان الركاب يقعون من الجمال موتى، وأما المشاة فإن أكثرهم ماتوا، وبعضهم انقطعوا، وهرب المقومون، وقاست الناس شدة عظيمة، وتاه ركبّ الأمير يعقوب بدليله، فانقطعت منه جماعة كثيرة وماتوا، واشتد الغلاء إلى أن بيعت الويبة من الشعير بأربعين درهماً، والبقسماطة بإثني عشر درهماً، وكانت سنة شديدة، وسمت الناس تلك السنة سنة راعم، وبلغ الخبر مع المبشرين إلى الأمير سيف الدين سلار وبقية الأمراء، فجهزوا للحاج من الأمراء ولغيرهم الإقامات والجمال بالأحمال، واستقبلوا الحاج بالشعير إلى قريب ينبع بجمال العرب، وبالدقيق وغيره إلى عيون القصب وعقبة، وأرسلوا إلى نائب غزة أن يجلب للناس الزيت والعسل وغير ذلك، فألزم نائب غزة تجاراً كثيرين بذلك، وحضرت أيضاً جماعة إلى العقبة من الكرك والشوبك ومعهم أصناف كثيرة، وحصل للناس بذلك رفق عظيم.
وفيها: كان وفاء النيل على سبعة عشر ذراعاً وثمانية عشر إصبعاً.
وفيها: حج بالناس عز الدين أيبك الخزندار المنصوري أمير الركب المصري كما ذكرناه، وحج بالركب الشامي الأمير ركن الدين بيبرس المعروف بجالق، ومعه سيف الدين جوبان المنصوري.
الشيخ شرف الدين عبد المؤمن بن خلف بن الحسن بن شرف بن الخضر ابن موسى الدمياطي، شيخ الحديث بمدرستي الظاهر والمنصور ببين القصرين.
وكان إماماً في وقته، صدراً في طبقته، مات فيها بالقاهرة، ودفن بباب النصر.
وقال ابن كثير: ولم يزل في إسماع الحديث دائماً إلى أن أدركته وفاته وهو صائم في مجلس الإملاء، فغشي عليه وحمل إلى منزله، فمات من ساعته يوم الأحد الخامس عشر من ذي القعدة، وكان مولده في سنة ثلاث عشرة وستمائة، وكان جمع معجماً لمشايخه الذين لقيهم بالحجاز والشام والجزيرة والفرات ومصر يزيدون على ألف وثلاثين شيخاً، وهو عندي بخطه رحمه الله.
وذكر بعضهم وفاته في السنة الآتية، وكان يخرج بالحافظ زكي الدين المنذري، وروى عنه المزيّ والذهبي وخلق، وكان مولده بتونه، قرية من أعمال تنيس، ونشأ بدمياط، ومات وله اثنان وتسعون سنة.
الشيخ المحدث الصالح نور الدين علي بن مسعود بن نفيس الموصلي، ثم الحلبي.
مات بالمارستان الصغير بدمشق، ودفن بسفح قاسيون، وكان رجلاً صالحاً من المشهورين بطلب الحديث وكتابته وقراءته عن نحو خمسين سنة، روى عن ابن رواحة، وأصحاب البوصيري، وأصحاب الخشوعي، وغيرهم.
الشيخ الإمام علم الدين عبد الكريم بن علي بن عمر، المعروف بالعراقي.
كان عالماً كثير الفضائل، شافعي المذهب، جاوز الثمانين، مات في هذه السنة، وولى مكانه بالقبة المنصورية الشيخ عز الدين النمراوي.
الشيخ الكبير المعمّر ركن الدين أحمد بن عبد المنعم بن أبي الغنائم المقرىء، القزويني، الصوفي، الطاوسي.
مات بالشميساطية، ودفن بقابر الصوفية، وكان يذكر أن مولده في شعبان سنة إحدى وستمائة، وكانت وفاته في سابع جمادى الأولى منها.
الشيخ أمين الدين محمد بن الشيخ قطب الدين محمد بن أحمد القسطلاني.
مات بمكة في المحرم منها، وكان شيخاً صالحاً من بيت الصلاح والحديث، أسمعه أبوه بمكة على مشايخها والواردين إليها شيئاً كثيراً، وكان عنده فضيلة في علم الحديث، وكان شيخ الحديث بمكة، روى عن ابن الجميّزي وغيره.
الشيخ العالم نجم الدين عمر بن أبي القاسم بن أبي الطيب.
مات بداره داخل باب الفرج، ودفن بمقبرة باب الصغير، وكان رجلاً جيداً، مشكوراً في ولاياته، باشر نظر المارستان النوري، ونظر ديوان الخزندار، صاحب حماة، ونظر الخزانة، ووكالة بيت المال، وكان مدرّساً بالكروسية نحو أربعين سنة، وسمع الحديث من الجمال العسقلاني، وغيره.