كان شيخاً جليلاً، ديناً فاضلاً، شاعراً مجيداً، من بيت الرئاسة والوزارة، وولي وزارة دمشق مدة، ثم أقام بمصر موقعاً مدة، وكان له اعتناء بعلوم الحديث وسماعه وإسماعه، وله مصنف في أسماء الصحابة الذين خرج لهم في الصحيحين، وأورد شيئاً من أحاديثهم في مجلدين موقوفين بالمدرسة الناصرية بدمشق، وقد خرج عنه الحافظ الدمياطي، وهو آخر من توفي من شيوخه، وتوفي بالقاهرة يوم الجمعة الحادي والعشرين من ربيع الآخر، وأصلهم من قيسارية الشام، وكان جده موفق الدين أبو البقاء خالد وزيراً لنور الدين الشهيد، وكان والده عز الدين وزير الملك الناصر صاحب دمشق، وكان من الكتّاب المجيدين، توفي في الأيام الصلاحية سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، وأبوه محمد بن نصر، ولد بعكا قبل أن يأخذها الفرنج سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، فلما أخذت بعد التسعين وأربعمائة انتقل أهلهم إلى حلب، فكانوا بها.
وكان شاعراً مطيعاً، وله ديوان مشهور، ومعرفة جيدة بالنجوم والهيئة، وغير ذلك، ومولده سنة ثلاث وعشرين وستمائة، ودفن بتربته بجوار مشهد السيدة نفيسة رضي الله عنها.
ومن نظمه:
بوجه معذبي آيات حسن ... فقل ما شئت فيه ولا تُحاشي
ونسخة حسنة قُرئت وصحت ... وها خط الكمال على الحواشي
وله في مليح بوجهه أثر:
قالوا بوجه الذي أحببته أثر ... يشينُه فأنئذ في الوصف والقصر
فقلت قد جاء بالآيات ظاهرة ... قس حُسنه وهي تُغنينا عن الأثر
فكان كالشمس لكن خاف يوصف ... بالتأنيث يوماً فحاكى صورة القمر
القاضي الإمام شمس الدين سلمان بن إبراهيم بن إسماعيل الحنفي الملطي.
كان نائباً في الحكم مدة طويلة بدمشق عن قاضي القضاة حسام الدين الرازي الحنفي، وناب أيضاً بالقاهرة عن السروجي، وكان رجلاً مباركاً ديّناً صالحاً، مات بدمشق فيها، ودفن بقاسيون.
القاضي علاء الدين علي بن عبد الرحيم بن مراجل الكاتب.
كان ماهراً في صناعة الكتابة والحساب، ويعرف بلسان التركي، وعند فضيلة تامة، وأدب حسن، وهو والد الصاحب تقي الدين سليمان بن مراجل، مات في السادس عشر من ذي القعدة.
ومن نظمه:
أأحبابنا شوقي إليكم مضاعف ... وذكركم عندي مع البعد وافرُ
وقلبي لما غبتم طار نحوكم ... وأعجب شيء واقع وهو طائرُ
وله:
هذا كتاب محب رق حاسده ... من فرط وجد بكم أضحى يكابده
غرامه فيكم أضحى يحاكمه ... وشوقه نحوكم والله قائده
وشوقه حاصل والقلب عندكم ... باق وخاطره فيكم يراوده
والدمع مصروفة قد صح شاهده ... يود ناظركم لو كان شاهده
والليل يحييه كي يرعى فراقده ... ومن يموت به وجداً فراقده
عاهدتموه على حفظ الوداد لكم ... وهو المليّ بما قد كان عاهده
قد مسّه الضر من طول السقام ... فما يضر طيفكم لو كان عائده
وقال وهو بمصر لما دخل إليها في سنة إحدى وسبعمائة:
أقول في مصر إذ طال المقام بها ... وساء من سوء خلقي أهلها خُلقي
يا أهل مصر أجيبوني السؤال عسى ... يُسكن الله ما ألقاه من قلقي
هل فيكم من يُرجى للنوال ومن ... يلقى لوفد بوجه ضاحك طلق
أم عندكم لغريب في دياركم ... بقية من يد أو عارض غدق
فقيل لي ذاك مما ليس نعرفه ... وإنما سُقتنا فيها على الملق
الصدر شرف الدين محمد بن شمس الدين سعيد بن محمد بن سعيد، المعروف بابن الأثير، كاتب الإنشاء بدمشق.
مات في سابع ربيع الأول، ودفن بسفح قاسيون، وكان شاباً حسناً، عاقلاً وقوراً، خلّصه الله من أسر التتار ورجع إلى أهله.
الشيخ الصالح العارف المحقق السيد الشريف أبو فارس عبد العزيز بن عبد الغني ابن سرور بن سلامة، المعروف بالمنوفي.
مات بمنزله بمصر ليلة الإثنين خامس عشر ذي الحجة، ودفن بالقرافة، وكان من الصلحاء الأخيار المعمرين، وله ديوان شعر، فمنه قوله:
خيامٌ بنجد كل فلب ثوى بها ... وكل محب قد غدا في طلابها