ولما اتفق وصول الأمير سيف الدين بُرلغى الأشرفي من الحجاز الشريف، أخبر عن أميري مكة أبي الغيث وأخيه عُطيفة بأنهما عاجزان وليست لهما حرمة، وأن عبيدهما يشوشون على الحاج وأن الحال تقطع من مكة، اتفق رأي الأمراء بين يدي السلطان على إخراج الشريفين رميثة وحميضة من الإعتقال في الإسكندرية، وكان قد سبق سؤالهما في الإفراج عند حضور الأمراء والسلطان من الغزاة، وأن يقيما بمصر في خدمة السلطان، ولما ذكر سيف الدين برلغى ما ذكر، أمر السلطان بإخراجهما، وسيّروا أمير جندار إليهما، فأحضرهما، ولما قدما اقتضى رأي الأمير بيبرس والأمير سلار أن يخلع عليهما وأن يلبسا الكلوتات الزركش، فامتنع حُميضة من ذلك، وقالوا له: متى خالفت ذلك رجعت إلى السجن، فعند ذلك لبس، وأجلسوهما فوق الأمراء لشرف نسبهما، ثم أرسل إليهما سائر الأمراء ما يحتاجان إليه من سائر الأشياء، وخصوصاً - أحسن إليهما غاية الإحسان - سلار وبيبرس، وكانا يركبان مع السلطان في الميدان، وألزموا حُميضة أن يلعب الأكرة مع السلطان والأمراء تلعب، واتصل بهم اتصالاً حسناً.

وقال بيبرس في تاريخه: وأُنعم عليهما وأُعيدا إلى منصبهما، وعُزل أخواهما عُطيفة وأبو الغيث، وسيّر صحبتهما الأمير عز الدين أيدمر الكوندكي، فرتبهما في الإمرة.

ذكر تجريد العساكر إلى سيس

قال ابن كثير: وفي هذه السنة أمر السلطان بتجريد العساكر إلى سيس، وسبقه أن طائفة من العسكر الحلبي دخلت بلاد الأرمن غارة، فكبستهم التتار ببلاد سيس وسلموا، فجرد السلطان الأمير بدر الدين بكتاش الفخري ومعه عدّة من العسكر المصري ثلاثة آلاف، فتوجهوا إلى دمشق، ووصلوها ثاني عشر رمضان، وأضيف إليهم ألفان من دمشق صحبة الأمير بهادر آص، وساروا، فأخذوا معهم نائب حمص الأمير بلبان الجوكندار، ووصلوا إلى حماة، فصحبهم الأمير قفجق نائب حماة، وجاء إليهم الأمير أسندمر نائب طرابلس، وانضاف إليهم الأمير قراسنقر نائب حلب، وانفصلوا كلهم عنها، فافترقوا فرقتين: فرقة سارت صحبة قفجق إلى ناحية ملطية وقلعة الروم، والفرقة الأخرى صحبة قراسنقر ودخلوا الدربندات، وحاصروا تل حمدون، فتسلموه عنوةً في الثالث عشر من ذي القعدة، بعد حصار طويل، ووقع الإتفاق مع صاحب سيس على أن تكون للمسلمين من نهر جهان إلى حلب، وللأرمن من النهر إلى ناحيتهم، وأن يعجلوا حمل سنتين، ووقعت الهدنة على ذلك بعد ما قُتل خلق كثير من أمراء الأرمن ورؤسائهم.

وقال النويري: وتأخر بدر الدين بكتاش في حلب عن هذه الغزوة لمرض عرض له. وإن تلّ حمدون لما فتحوها كان بها جماعة من نواب القلاع المجاورة لها لقبض مال فلما أطلقهم المسلمون وصل رسول صاحب سيس يقول: إن هؤلاء الذين بتلّ حمدون هم ملوك القلاع، وكلما أردت بذل الطاعة وإرسال الحمول للسلطان خالفوني وعصوني، فإن أنتم مسكتموهم سلموا إليكم القلاع والأموال. فأرسل الأمراء من أدركهم قبل وصولهم إلى مأمنهم وكانوا ثمانية، فقتلوهم إلا واحداً اسمه السرماق صاحب قلعة نُجمية، فإنه لما شاهد الموت أسلم وقال: أنا لي أخ في خدمة السلطان الملك الناصر، وأنا أُسلّم قلاعي إلى السلطان، والتزم له فتح سيس بألفي فارس، فعادت العساكر إلى مصر ووصلوها في المحرم سنة أربع وسبعمائة.

وقال صاحب النزهة: ولما تأخر بدر الدين أمير سلاح في حلب لمرض عاقه عن الذهاب مع العسكر أرسل طلبه صحبة ولده، ودخلت العساكر إلى بلاد سيس وأخربوا الضياع، وأحرقوا جميع المزارع، وأسروا أهلها، وبلغهم أن قلعة تل حمدون قد تجمع فيها جماعة كثيرة من الأرمن، فنزلوا عليها وأقاموا أياماً في حصارها إلى أن فتح الله عز وجل وتسلموها بالأمان، وكان فيها ثمانية من ملوك الأرمن أصحاب القلاع، وكانوا قد أتوها على سبيل زيارة كنيسة فيها، فبلغهم وصول العسكر، فخافوا النزول منها واستأمنوا، فأعطاهم الأمراء أماناً وأمهلوهم يومين، فبلغ ذلك صاحب سيس، فصعب عليه ذلك لكون مثل هذا الحصن يخرج من يده بمكيدة فعلها الأرمن، فأرسل قاصده إلى نائب حلب، وجرى ما ذكرناه آنفاً.

ذكر وفود جنكلى بن البابا إلى السلطان

أحد مقدمي التتار إلى السلطان:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015