ليعلم الأمير أفرم وأكابر الأمراء، ورعاه العساكر. والأجناد، والقضاة والسادات، والأئمة والصدور، والأكابر، والمشاهير والرؤساء، وعوام الرعايا من أهل دمشق، أنه حيث خصنا الله تعالى بالعناية الأزلية، والسعادة الأبدية، وشرح صدرنا للإسلام، ونوّر قلبنا للإيمان، وأورثنا سلطنة الآباء والأجداد، وأمدنا بالنصرة المتواترة الأمداد، تصدينا لإثابة الشكر على نعمائه حسب الإمكان، فعاهدنا الله تعالى على ملازمة البر والإحسان، ودفع الرزايا عن الرعايا، وإيصال البرّ إلى البرايا، سيّما طوائف المسلمين، وطبقات المؤمنين، وأن لا نرخص في القتال، ما لم يبدأنا به الجهال، فكل لبيب يعلم أن البادي أظلم، والذي يحقق ذلك ما عرفه الداني والقاصي، من طريقتنا المسلوكة مع المطيع والعاصي، وما ترتب بيننا وبين أنسابنا الأصاغر والأكابر، وتركنا المقاتلة إلا مع باد مكابر.

وحيث كان أهل مصر والشام، يحبّون ويؤدّون قوة الإسلام، كان الواجب عليهم إظهار السرور، وإبداء الحبور بإسلام ذراري جنكزخان، وعساكرهم التي لا غاية لأواخرهم وتؤمن غلبة المتسلطين في تلك البلاد، وإنفاذ الرسل إلينا عن الوداد، وإرسال التحف والهدايا، والشكر لله ولنا على تلك المزايا، فما أبصرنا منهم في عموم الأوقات إلا ما لا يحسن من الحركات حتى أنهم عمّوا على ماردين وديار بكر طغياناً، وأقدموا على القتل والنهب فيها عدواناً، فدعتنا الحمية على الإسلام إلى الفساد بالإنتقام، وهممنا بأن نجر إليهم العساكر، ونبيد البادي منهم والحاضر، فصادفتهم المراحم العميمة التي لم تزل لنا خلقاً وشيمة، فتوقفنا مقتدين بقوله تعالى: " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " فأنفذنا الإيلجية مع قضاة ثقات، لعلهم في أمرهم يتفكرون، وإلى الإنابة يهتدون، فأتوهم بصرائح النصائح، وهدوهم إلى جداد المصالح، فعصى سلطان مصر عنواً ونفوراً، وأودعهم السجن تجبراً وغروراً، فأفضت حركاتهم الذميمة إلى أن هال عليهم الجنود، وحل عليهم ما حل بعاد وثمود، ولولا رفقنا المجبول بنا لأضحت شام خالية الديار.

وأما ما أصاب من لاحقه بعض العساكر من بعض الرعية فما كان أحد بذلك مأموراً، وكان أمر الله قدراً مقدوراً.

وجرم جرّه سفهاء قوم ... فحلّ بغير جانيه العقاب

ولما ثنينا عنان العزيمة ترحما على البراء من الجريمة، ثنينا لتركيب الحجة الرسالة، لعلهم ينتهون عن التمادي في الجهالة، فما سمعوا من الرسول قيلاً، وحبسوه زماناً طويلاً.

وأما في الإعادة، فقد خالفوا الذاهبين في العادة، لأنهم لم يصحبوه واحداً من رسلهم، ليتداركوا ما فرط من زللهم، ويا ليت ما حملوه من الجواب، كان متضمناً لوجه من الصواب، فإن كتابهم دلّ على فساد آرائهم، وتعمقهم في متابعة أهوائهم، فقد ضمنوا مهذين المقال مطواه، وكتبوا اسم سلطانهم بالألقاب البليغة بالذهب أعلاه، واسم الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام بالمداد، واسمنا بعد عدّة سطور للعناد، فحملنا ذلك على عدم معرفتهم بالرسوم والآداب، وقلة ممارستهم مراسيم الخطاب والجواب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015