قال بيبرس في تاريخه: وفي المحرم من سنة ثنتين وسبعمائة جهزت الشواني للسفر إلى جزيرة أرواد، وهي جزيرة قبالة انطرطوس في البحر المالح، وكان قد اجتمع فيها جمع من الفرنج الذين جلوا من الساحل وسكنوها، وأحاطوا بها سوراً وحصنوها، فجهزت الشواني لقصدها، وجرد فيها جماعة من الجند لأخذها، ولما تجهزوا وتكملوا ولم يبق إلا سفرهم ركب مقدم الأجناد الذين سفروا فيها في الشيني الكبير وهو جمال الدين أقوش العلائي المعروف بوالي البهنسا، ومعه جماعة، وخرجوا قبالة مقياس مصر ليلعبوا وينحدروا، فانقلب الشيني في خروجه، فغرق القدم المذكور وأكثر من كان فيه، فجهز عوضاً عنه سيف الدين كهرداش، وسفر بالشواني، فوصلوا إلى الجزيرة وأوقعوا بأهلها وأخذوا ما كان فيها، وأحضروا منها عدة أسرى وعبروا بهم عند وصولهم إلى القاهرة مصفدين، وشقوا بهم المدينة مقيدين وبقوا في الأسر مخلدين.

وقال ابن كثير: وفي يوم الأربعاء الثاني من صفر من سنة إثنتين وسبعمائة فتحت جزيرة أرواد المذكورة، وقتلوا منها نحواً من ألفين، وكانت الأسرى قريباً من خمسمائة نفس.

وقال صاحب النزهة: وكانت الشواني مشحونة بالعدد والسلاح والنفطية والزاد، وفيها جماعة من الحلقة، ومن كل مقدم نفران، ومن الطبلخانات والعشرات، وجرد أيضاً من المماليك السلطانية جماعة من الزراقين، وزينت الشواني بأشياء من الآلات، وباتت الناس تلك الليلة، لم يبت أحد في بيته، وغلقت مصر والقاهرة يومين لأجل التفرج، وكان من أول بولاق إلى الصناعة خلائق من البرين لا يحصى عددهم حتى إن الإنسان لا يستطيع أن يضع قدمه إلى الأرض، وأما بقية مراكب البحر والشخاتير الصغار فإنها طبقت وجه البحر، والمركب الذي كان يكرى بعشرة أكروه بمائة درهم.

ففي صبيحة يوم السبت الثاني عشر من محرم سنة ثنتين وسبعمائة: نزل السلطان والنائب وسائر الأمراء، ووقفت العساكر جميعهم على بربستان الخشاب، وعدى الأمراء في الحراريق إلى الروضة، ثم أمر بخروج الشواني واحدة بعد واحدة، فخرج الشيني الأول ولعب ساعة ولعبوا فيه بالنفط، وصاحت الخلائق من الجانبين، ثم الثاني، ثم الثالث، ثم خرج الرابع وهو الذي كان فيه أقوش العلائي، ولعبت فيه الهوى، فمال ميلة، فانقلب فصار أعلاه أسفله، وصرخت الناس عن صوت واحد، وتكدر ذلك الصفاء، فتحيرت الأمراء والسلطان، وحزنوا حزناً عظيماً، وأدركت المراكب إليه، وخلصوا منه خلقاً وغرق آخرون، وممن غرق أقوش المذكور المقدم فيه.

ومن الغرائب أن أقوش هذا كان فيه من الكبر والحمق ما لا يوصف، ومن الظلم وقتل النفس ما لا يعد، وكان هو الذي زين هذا الشيني من عنده بأفخر زينة وأكمل عدة، وعند نزوله إليه قدمت له الاسقالة، فمشى عليها إلى أن جلس، ثم عند الخروج استعجل، فقال له الرئيس: طول روحك يا خوند، فانحرف وشتمه وقال: اخرج لا كتب الله علينا بالسلامة ولا أحيانا أن نرد إليهم.

قال الراوي: وأغرب من ذلك أن هذا الشيني انحدر إلى أن وقف عند بولاق وبقي هناك ثلاثة أيام مقلوباً إلى أن ركب والي الصناعة والرئيس ومعهم رجال، فجاءوا إليه وأقلبوه ووجدوا زوجة الرئيس وولدها وهي ترضعه وهما بالحياة، فسألوها عن حالها فقالت: إن الشيني لما انقلب لم يحصل عليها تشويش أصلاً ولا بذل عليها من الماء، فتعجبوا من ذلك وقالوا: قدرة الله أعظم من هذا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015