أتيت مصرا تبتغى ملكها ... تحسب أن الزمر يا طبل ريح

فساقك الحين إلى أدهم ... ضاق به عن ناظريك الفسيح

وكل أصحابك أوردتهم ... بحسن تدبيرك بطن الضريح

خمسون ألفا لا يرى منهم ... إلا قتيل أو أسير جريح

وفقك الله لأمثالها ... لعل عيسى منكم يستريح

إن كان بابا كم بذا راضيا ... فرب غش قد أتى من نصيح

وقل لهم إن أضمروا عودة ... لأخذ ثأر أو لقصد صحيح

دار بن لقمان على حالها ... والقيد باق والطواشى صبيح

وذكر أن الفرنسيس لما توجه إلى بلاده جمع جموعا كثيرة ونزل على تونس، فقال شاب من أهلها يعرب بابن الزيات:

يافرنسيس هذه أخت مصر ... فتاهب لما إليه تصير

لك فيها دار لقمان قبر ... وطواشيك منكر ونكير

وكان هذا منه فألا عليه، فإنه هلك وهو محاصر لها، وصالح أهلها ابنه على مال ورحل عنها.

ذكر عود العسكر إلى القاهرة

ولما جرى ما ذكرنا عادت العساكر إلى القاهرة ودخلوها يوم الخميس تاسع صفر من هذه السنة، ولما دخلوا القاهرة أرسلوا رسولا إلى الأمراء الذين بدمشق في موافقتهم على ذلك، فلم يجيبوا إليه.

وفي تاريخ بيبرس: وسيروا رسولا إلى دمشق لاستحلاف الأمير جمال الدين يوسف بن يغمور نائب السلطنة بها والأمراء القيمرية وغيرهم، فغلطوا الرسول ولم يجيبوه إلى ذلك.

وكان الملك السعيد بن الملك العزيز فخر الدين عثمان بن العادل صاحب الصبيبة خرج من الديار المصرية، وعبر على غزة، وأخذ جميع ما بها من المال وهرب، وكان قد أعطى قبل ذلك قلعته للملك الصالح أيوب وصار في خدمته، ولما هرب احتيط على داره بالقاهرة، وتوجه هو إلى قلعة الصبيبة فسلمها له من كان فيها.

وفي هذه الأيام ملك المغيث فتح الدين عمر بن الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن الملك الكامل بن العادل بن أيوب الكرك واستولىعليها، وذلك أنه كان عند عماته بالقاهرة، فلماتوفى الملك الصالح أيوب بلغ الأمير حسام الدين ابن أبي علىّ ان فخر الدين بن الشيخ ربما أخرجه ورتبه في الملك، فأطلعه إلى قلعة الجبل واعقتله بها، فلما ورد المعظم توران شاه إلى المنصورة في التاريخ الذى ذكرناه، أمر به فحمل إلى الشوبك واعقتل بها خوفامنه، فلما مات المعظم أخرجه الطواشى بدر الدين الصوابىّ الصالحى، وكان نائب الملك الصالح بالكرك، وكانت الشوبك مضمومة إلى ولايته، فملكه البلدين، وسلم اليه القلعتين، وقام بتدبير دولته، والاجتهاد في خدمته.

ذكر استيلاء الملك الناصر صاحب حلب على دمشق

ولماجرى ما ذكرناه خرج الملك الناصر يوسف بن الملك العزيز ابن الظاهر غازى بن صلاح الدين يوسف بن أيوب من حلب، وذلك لأنه لما ورد عليه الخبر بقتل المعظم تورانشاه وصلت اليه كتب الأمراء القيمرية من دمشق يستدعونه ويحثونه على الوصول اليهم ليسلموا دمشق إليه، فوصلها يوم السبت ثامن ربيع الآخر من هذه السنة، وأحاط عسكره بها، وزحفوا عليها، وكان النائب بها الأمير جمال الدين بن يغمور من جهة الملك الصالح، وكان قد رتب الأبواب على الأمراء القيمرية وهم: ناصر الدين القيمري، وضياء الدين، وشهاب الدين الكبير، ففتحوا باب الجابية مواطأة للملك الناصر، فدخل الناصر وأصحابه دمشق، وتملكوها بغير ممانعة ولا مقاتلة، وخلع على الأمراء المذكورين، وخلع أيضاً على الأمير جمال الدين بن يغمور النائب من جهة السلطنة، وأحسن إليهم، وعلى جماعة من الأمراء المصريين مماليك الملك الصالح نجم الدين، واستقرت قدمه في ملك دمشق، وعصت عليه بعلبك وعجلون وشميس مدة يسيرة، ثم مال الجميع إليه.

ولما وصل الخبر بذلك إلى مصر اجتمعت الأمراء والأجناد بقلعة الجبل وجدّدوا الإيمان لشجر الدرّ والدة خليل، وللأمير عز الدين أيبك التركمانى بالتقدمة على العساكر، وعزموا على إخراج العساكر صحبة الأمير حسام الدين ابن أبي على ليدفعوا الملك الناصر عن دمشق، ويردّوة قبل أن يملكها، فورد عليهم بأن القيمرية سلموها إليه، فأمسك من كان منهم بالقاهرة، وقبض على كل من اتهم بالميل إلى الحلبيين.

ذكر سلطنة أيبك التركماني

طور بواسطة نورين ميديا © 2015