كان عارفاً بعلم النجم والرمل، وكان يخيط ويدخل الخيط في خرت الأبرة، وكانت خياطته في غاية الجودة، ويوصل الأوصال ويرقع ما يفصّله في مواضعه ترقيعاً حسناً، وكان آية من آيات الله، وأصله من ميحي أنطاكية وقع في قسم الأمير عز الدين الزرّاد نائب قلعة دمشق فربّاه وأقرأه القرآن، فحفظ الكتاب العزيز وتلا بالسبع على المشايخ، مات بدمشق في الثامن من شعبان منها، ودفن بمقابر باب الصغير.

الأمير عماد الدين حسن بن علي بن محمد بن النشابي الحلبي.

مات بالبقاع من أعمال بعلبك. ودفن بقاسيون بتربته، وكان قد ولى ولايات بالبر، ثم نقل إلى ولاية المدينة، ثم ولاية البر، ثم جعل أمير طبلخاناة، فمكث قليلاً ومات، وكان مشكوراً في ولايته، وعنده شهامة ونهضة وكفاية.

الأمير الكبير العالم المحدث أبو موسى سنجر الدواداري التركي البرنلي.

مولده في سنة نيف وعشرين وستمائة، وقدم من بلاد الترك في حدود الأربعين وستمائة، وكان عبس الشكل، كبير الوجه، خفيف اللحية، صغير العينين، ربعة من الرجال، حسن الخاق والخلق، مهيباً فارساً شجاعاً، ديناً، عالماً فاضلاً، حسن الحظ، حافظاً لكتاب الله، قرأ القرآن على الشيخ جبريل الدلاصي وغيره، وحفظ الإشارة في الفقه لسليم الرازي. وكتب بخطه، وحصل الأصول، وكانت له عناية بالحديث وسماعه، سمع كثيراً، وخرج له المزى جزأين عوالي، وخرج له ابن الظاهري، وحج ست مرات.

وكان من الأمراء الظاهرية، ثم نقل إلى حلب، ثم قدم إلى دمشق، وكان من أصحاب سنقر الأشقر، ثم مسك، ثم أعيد إلى رتبته، ثم أعطى تقدمة ألف، وزادت رتبته في دولة لاجين المنصور، وقدمه على الجيش في غزوة سيس، وكان له معروف كثير وأوقاف بالقدس ودمشق، وروى عن الحافظ زكي الدين عبد العظيم المنذري، والرشيد العطار، والكمال الضرير، وابن عبد السلام، وجماعة كثيرة، وشهد الوقعة وهو ضعيف، فالتجأ بأصحابه إلى حصن الأكراد، فمات به ليلة الجمعة الثالث من رجب الفرد منها، وكان المنصور لاجين قد فوض إليه عمارة جامع ابن طولون فعمره وعمر أوقافه وقرر فيه دروس الفقه والحديث والطب.

وله شعر حسن، فمنه قوله:

سلوا عن موقفي يوم الخميس ... وعن كرات خيلي في الخميس

شربت دم العدى فرويت منه ... فشربي منه لا خمر الكؤس

وجاورت الحجاز وساكنيه ... وكان البيت في الليل أنيسي

وأتقنت الحديث بكل قطر ... سماعاً عالياً ملء الطروس

أباحت في الوسيط لكل خبر ... وألقى القوم في حر الوطيس

فكم لي من جلاد في الأعادي ... وكم لي من جدال في الدروس

وقد ذكرنا من ترجمته فيمن استشهد من الأمراء في وقعة قازان. حسام الدين الطواشي المغيثي، خادم الملك المغيث صاحب الكرك.

مات في هذه السنة، وخدم الملك الصالح، وكان معظما في الدولة المصرية يجلس فوق الأمراء كلهم.

قال صاحب النزهة: وعاينته يجلس فوق البيسري وسنقر الأشقر إلى باب القبة، وكان السلطان الملك المنصور سلم إليه الملك الصالح علاء الدين وقال له: هذا ولدك ربه، وكان مقيماً في القلعة بدار الملك الصالح أستاذه، وكان له أوقاف على تربة النبي صلى الله عليه وسلم، وأوقاف على عتقائه وأولادهم، ولما توفي أثبت مجد الدين بن الخشاب أن بعض الأوقاف التي أوقفها كان في غير عقله وأنه كان مخبلاً في ذلك الوقت وأخذ منها ما اختاره، وكانت له مكارم، وقصده الشعراء ومدحوه، وكان يهب لهم ويعطيهم، وامتدحه في وقت شرف الدين القدسي الكاتب بقصيدة مطولة منها:

مارأيت الناس مثل حسنك لالا ... هكذا هكذا وإلا فلالا

فتبسم وقال: يا شرف الدين بعد الثمانين يكون الحسن، والله أسرفت في التجمل. فقال له: يا سيدي أحسن الشعر ما كذب الشاعر فيه، فأعجبه ذلك ورسم له بخمسمائة درهم.

وكان قد خرج من مصر على نية الجهاد، فأدركه مرض منعه أن يحضر المصاف، وبقى إلى أن رجع العسكر فركبه ممالكيه إلى أن وصل منزلة السوادة، فتوفي بها ودفن هناك، ونقل بعد شقحب إلى مصر ودفن بتربته بالقرافة.

الأمير سيف الدين جاغان مملوك السلطان لاجين، مات في هذه السنة بمرض أصابه بدمشق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015