توفي عشية الإثنين السادس والعشرين من شعبان منها بدمشق، ودفن بقاسيون، ومولده سنة ثلاث وثلاثين وستمائة بمرسية، وكان والده متوليها نيابة عن أخيه أمير المؤمنين المتوكل على الله محمد بن يوسف بن هود صاحب الأندلس. وكان يلبس الصوف، وعلى رأسه قبع صوف عسلي، وترك بلاده وهاجر إلى دمشق، وأقام بالخانقاة الشميصاتية وبالأندلسية وبخانقاة الطاحون.
وقال الذهبي: كان ابن هود قد حصل له زهد وفراغ عن الدنيا وسكرة عن ذاته، وغفلة عن نفسه، فسافر وترك الحشمة، وصحب ابن سبعين واشتغل عليه بعلوم الأوائل، وحج وقدم اليمن، ثم رحل إلى الشام، وكان فيه انقباض عن الناس، حمل مرة إلى والي البلد وهو سكران، أخذوه من حارة اليهود خبثاً منهما ليقصوا منه بذلك، وكان أسلم على يده جماعة، وكان يمشي في الجامع باهت الطرف، ذاهل العقل، وهو رافع أصبعه السبابة كالمتشهد.
ومن شعره:
فؤادي من محبوب قلبي لا يخلو ... وسري على فكري محاسنه يجلو
ألا يا حبيب القلب يا من بذكره ... على ظاهري من باطني شاهد عدل
تجليت لي مني عليّ فأصبحت ... صفاتي تنادي: ما لمحبوبنا مثل
أروّي بذكر الجزع عنه وبانة ... فلا البان مطلوبي ولا قصدي الوبل
وأذكر سعدي في حديثي مغالطاً ... بليلي ولا ليلي مرادي ولا جمل
ولم أر في العشاق مثلي لأنني ... تلذ لي البلوى ويحلو لي العذل
مجانين إلا أنّ ذلّ جنونهم ... عزيز على أبوابهم يسجد العقل
ومن شعره:
خضت الدجنة حتى لاح لي قبس ... وبان بان الحمى من ذلك القبس
فقلت للقلب هذا الربع ربعهم ... وقلت للسمع لا تخلو من الحرس
وقلت للعين غضي عن محاسنه ... وقلت للنطق هذا موضع الحرس
وله موشحه يصف دمشق:
أشاقك البرق ساري ... أم راعك الطيف زائر
فما لدمعك جاري ... وما لقلبك طائر
لا ذا ولا ذاك ذكراً ... مني أثارت شجونا
أيام شربي يرعى ... روض الأماني أمينا
معنى به كل معنا ... يفيد دنيا ودينا
فمن خليع عذاري ... له من الحسن عاذر
ومن حليف وقار ... ذاكي الفؤاد وذاكر
حيّاك ربع الأحبّة ... دمع الحيا المستهل
وأطلع السعد شهبه ... بأفقك المستعل
وعرس النجح ركبه ... ما بين ماء وظل
لذي قرى وقرار ... بمزهر وزاهر
عذب الجنا والنجار ... سامي العلا والمفاخر
أشبهت جنة عدن ... دمشق حسناً وطيبا
أبديت من كلّ فنّ ... للحسن معنى غريبا
لا زلت منزل آمن ... رحب الفضا خصيبا
بكل حامي الديار ... وكامل الفضل وافر
طويل باع الفخار ... بسيط كف المآثر
هل عائد لي عهد ... بروضة النيربين
إني وقد دان بعد ... ما بين ذاك وبيني
لله ودق ووقد ... بأضلعي وبعيني
فكم أجنّ بجاري ... وحاكم البين جائر
وكم أواري أوار ... والدمع لي متواتر
الصبر دونك عجز ... لا تحسبيه اختيارا
والذّل عندك عزّ ... ما آن أراه صغارا
ترنّم الطير غمز ... به إليك أشارا
معناه أنت اختياري ... وإنني جد خابر
عليك يا خير دار ... قطب السعادة دائر
عماد الدين يوسف بن أبي نصر بن أبي الفرج الشقاري.
كان زمن الظاهر أمير الركب، وكان له حجّات كثيرة، ومولده سنة عشر وستمائة، مات في هذه السنة، ودفن بالنيرب بتربته جوار الجامع.
الأمير جمال الدين أقوش المطروحي، وسيف الدين كرد، والأمير ركن الدين الجمالي، نائب غزّة، عدموا في وقعة قازان في هذه السنة.
الزين خضر بن دانيال الأنطاكي الزرّادي الضرير المقرىء.