وأمري موقوف عليك وليس لي ... على أحد إلاّ عليك معول

ولو كان مرفوعا إليك لكنت لي ... على رغم عذّالي ترقّ وتعدل

وعذل عذول منكر لا أسيغه ... وزور وتدليس يردّ ويهمل

أقضي زماني فيك متّصل الأسى ... ومنقطعا عما به أتوصل

وها أنا في أكفان هجرك مدرج ... يكّلفني مالا أطيق فأحمل

وأجريت دمعي بالدماء مدبجاً ... وما هي إلا مهجتي تتحلّل

فمتفق جفني وسهدي وعبرتي ... ومفترق صبري وقلبي مبلبل

ومؤتلف وجدي وشجوي ولوعتي ... ومختلف حظي وما منك آمل

خذ الوجد عني مرسلاً ومعنعناً ... فغيري لموضوع الهوى يتحيل

غريب يقاصي البعد عنك وماله ... وحقك من دار الفنى متحول

فرفقاً بمقطوع الوسائل ماله ... إليك سبيل لا ولا عنك معدل

فلا زلت في عزّ منيع ورفعة ... ولا زلت تعلو بالتحني فأعزل

أروّي بسعدى والرباب وزينب ... وأنت الذي تعني وأنت المؤمل

فخذ أوّلاً من آخر ثم أولاً من ... النصف منه فهو فيه مكمل

أبرّ إذا أقسمت إني بحبّه ... أهيم وقلبي بالصباية يشعل

مولده في سنة خمس وعشرين وستمائة، وسمع الكثير، توفي في التاسع من جمادى الأولى منها.

الشيخ الإمام العالم المفتي شمس الدين محمد بن الشيخ فخر الدين عبد الرحمن ابن يوسف البعلبكي الحنبلي.

كان من فضلاء الحنابلة في الفقه والأصول والنحو والحديث والأدب، درس وأعاد وأفتى، وأفاد وروى عن ابن عبد الدايم، وشيخ الشيوخ الحموي، وخطيب مردا، واليونيني، وغيرهم، مات في تاسع رمضان، ودفن بمقابر باب توما.

وله نظم حسن فمنه قوله:

الحسن أحمع جرء من محيّا ... ريم تبارك من بالحسن حلاّه

حلو اللي غنج في طرفه دعج ... كأنما كحلت بالسحر عيناه

مهفّهف خنث الإعطاف ريقته ... من الرحيق ومن در ثناياه

داجي الغداير لا يحنو على دنف ... تذري الدموع على خديه عيناه

الغصن قامته والمسك نكهته ... والورد والندّ خداه وريّاه

بدر بدا وظلام الشعر غيهبه ... ظبي غدا وفؤاد الصبّ مرعاه

نهى رقادي فتور في لواحظه ... والخصر للجسم بالأسقام أعلاه

إن لم أنل منه وصلاً حبذا شرف ... بمهجتي إن غدت من بعض قتلاه

لله كم من صبابات حوت كبدي ... ومن غرام بقلبي ظلّ مثواه

جار الحبيب على قلبي بجفوته ... ولست أنسى طوال الدهر ذكراه

وشى الوشاة بأني قد كلفت به ... وكيف لا وفؤادي بعض أسراه

بالروح أفديه من ظبي تملّكني ... شفاء داء بقلبي قبلتي فاه

رمى فؤادي بسهم من لواحظه ... عمداً فلم يحظ ذاك السهم مرماه

أمات قلبي بالهجران منه ولو ... أراد بالوصل بعد الموت أحياه

نهى العواذل عن حبي له سفهاً ... ولو رأوا حسنه يوماً لما فاهو

يا سائلي ما اسم من أهوى لنعرفه ... اجمع أوائل أبياتي لتلقاه

قلت: اسمه أحمد بن الجوبراني، كان صاحب جمال عظيم متفق على حسنه عند أهل دمشق، وكان محبوب الشيخ، وكل من في دمشق من فضلاء عصره نظموا فيه، وتفاخروا بعشقه، وعند طلوع وقته عشقته زوجة الحميدي وإلى نوى - وكانت قرابته - وتزوجت به، وأعطت له مالاً كثيراً، فبقي معها قليلاً ومات، وماتت بعده.

ومن نظم شمس الدين المذكور دو بيت:

أصبحت بسحر المقلة الكحلا ... صبّاً دنفاً مقلقل الإحشاء

ما يطفىء ناراً أضرمت في كبدي ... إلا لثمي للشفة اللعساء

وقال شمس الدين المذكور أنشدني بدر الدين الصانع لنفسه:

لي في القدود وفي لثم الخدود ... وفي ضم النهود لبانات وأوطار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015