وجُرح الأمير بدر الدين أمير سلاح بضربة سيف في يده، وجُرح الأمير جمال الدين قتال السبع في فخذه، ولما نظر أمير سلاح إلى الهزيمة ورأى جرحه بكى بكاءً شديداً وقال لمماليكه: هاتوا لي حصاني الدويك، وكان قد اشتراه بثلاثمائة دينار، وحياصة ذهب قيمتها مائتا دينار، وخلعة أطلس، وكلوتاة زركش، ثم بعد أيام رأى بائع الفرس المذكور - وهو راكب عليه - فقال له: طاب خاطرك بالثمن الذي دفعته إليك. فقال: والله يا خوند كان أملي فيه أكثر من ذلك الثمن. فلما سمعه يقول ذلك قال له: امش معي إلى البيت، فمشى معه حتى أتى داره، فخلع عليه خلعة بكلوتاة وحياصة ذهب وأعطاه ثلاثمائة دينار، وكانت هذه القضية في دولة كتبغا، فبلغ ذلك بتخاص والأزرق وغيرهما فصار كل واحد منهم يسأله ويطلب منه هذا الفرس إنعاما عليه، فيبعث إلى كل منهم حصاناً مشتراه خمسة آلاف درهم وصحبته خمسة آلاف درهم ويقول له: إني قد حبست هذا الفرس في سبيل الله يركبه الغزاة والمجاهدون في سبيل الله، ثم إن مماليكه أحضروا الفرس المذكور في ذلك اليوم لما طلبه، وكان جنيبا مع أحد الأوشاقية فقال له مماليكه: يا خوند هذا فرس قوي شديد وأنت اليوم تضعف عن رد عنانه لما فيه من القوة، وكان من شدته رتب له أوشاقيا وحده برسم ركوبه وخدمته، ولم يسمع منهم فركبه، فلما قعد على ظهره ألوى عنانه نحو العدو وقال للأمراء: من أراد الشهادة فليتبعني، فرجعت الأمراء إليه وسألوه أن يرجع فأبى وقال: والله كنت منتظراً لهذا اليوم، وقال له الأمير علم الدين الدواداري - وكان قد خرج في مواضع كثيرة -: يا أمير أنت اليوم قوام العسكر وأتابكه، وما فينا أحد إلا وقد جرح جراحات ومعظم مماليكنا قد قتلوا، وما يحل أن تلقي نفسك في التهلكة، فلم يلتفت إليه، بل قال: يا أمير ما بقى فينا شئ، فهل تنتظر خلاف هذا اليوم؟ فتقدم نحو العدو، واتفق رأى مماليكه على منعه وساق بعضهم إليه وأخذ برأس فرسه إلى نحو حمص وبعضهم ضرب كفل فرسه بالمقرعة، فخرج من تحته مثل البرق الخاطف، وأرادوا بذلك إبعاده عن الفرس حتى يأخذوا بعنانه ويتوجهوا إلى طريق النجاة، فلما أحس الفرس بالضرب فر مثل الريح العاصف حتى لم يروا منه إلا غباره، ولم يزل يجري على ميدان واحد إلى أن وصل إلى نهر حمص، فقوى عليه العطش من كثرة الجري وشدة العدو إلى أن أرمى نفسه في النهر، وشرع يعب من الماء، وأمير سلاح ماسك بيديه الشنن رافعه على أن يرفع رأسه من الماء فلا يرفع، فشرب حتى انتفخ فؤاده، ثم طلع من النهر ووقع طائحاً وقد انفقع من شرب الماء، فلحقه مماليكه وأركبوه جنيباً آخر، فكان هذا يعد من حسناته حيث اشترى فرساً بمائتى ألف درهم لركوب ساعة واحدة.
وقال صاحب النزهة: ومن قوة خذلان العسكر الإسلامي عاينت الأمير حسام الدين لاجين المعروف بزيرياح ومعه أعناق الحسامى من المقدمين ومعهما نحو ثلاثة آلاف فارس منهزمين، وقد أفرد في أعقابهم رجل واحد من المغل ولا يلتفت إليه أحد منهم، ورأيت فتى شاباً من العرب راكباً على حجرة شقراء وليس عليه شيء يمنع السهام وقد أخذته الحمية وهو يقول: يا مسلمين أش خلفكم ما ثمة إلا رجل واحد، فلا يجيبه أحد، فلوى رأس فرسه عنهم ورجع إلى ذلك الرجل وهو يقول: الله أكبر، فلما رآه ذلك الرجل مصمماً عليه ولى فرسه ورجع عنهم، وما كان ذلك الرجل ينتظر في ذلك الوقت غير صناديق مفتوحة، وكلوتات زركش، وحوائص ذهب ملقاة، وأسلحة، وسناجب، وأكياس ذهب، ودراهم، وخزائن الأمراء الأمراء بما فيها.