قال: والذي شاهدت من كرمه أن السلطان أنعم عليه ليلة سفره بألف دينار، فحضرت مجلسه تلك الليلة فرأيته مغمراً بالطيب، والبليبل شاعر السلطان ومغنيه جالس عنده، فصار يغني والذهب مسكوب بين يديه، فشرع يفرقه على من حضر في مجلسه هذا، فأعطى المغني المذكور ورفقته أكثر من غيرهم، وكان له بابا يخدمه من قديم الزمان، فقال له: أنت قد كبرت ولا تقدر تجئ معنا، فأعطى له ثلاثمائة دينار.
قال: وأعطاني تسعين دينارا، رحمه الله.
الأمير جمال الدين أقوش المغيثى، نائب البيرة.
توفى في هذه السنة، وكان كبير القدر، فارسا، شجاعا مقداما، أقام في البيرة نائبا نحو أربعين سنة.
الملك المظفر تقي الدين محمود بن الملك المنصور ناصر الدين محمد بن تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب صاحب حماة، وابن ملوكها كابرا عن كابر.
توفى يوم الخميس الحادي والعشرين من ذي العقدة منها ودفن ليلة الجمعة، وكانت مدة ملكه خمسة عشر سنة وشهرا واحدا ويوما واحدا، وانقطع ملك بني أيوب من حماة بموته، وتولاها بعده قراسنقر المنصوري إلى أن ردت إليهم في سلطنة الناصر الثالثة.
نجم الدين أيوب بن السلطان الملك الأفضل علي بن السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، مات بدمشق في الرابع عشر من ذي الحجة منها.
وممن توفى في هذه السنة بحلب وغيرها: الأمير سيف الدين البسطى، وأحمد شاه، وناصر الدين محمد بن سنقر الأقرع، وعين الغزال، وبدر الدين كيكلدى بن السرية، وسيف الدين قطبية، وسيف الدين طقطية، وقيل: إن طقطيه توفى بمصر في سمنود بلده، وذلك أنه كان قد أخذ دستورا وسافر إليها وأقام بها أياما، وأن منكوتمر سير إليه من تحيل على طباخه حتى سمه في الطعام، فأحس بالوجع ونزل في الحراقة وما وصل إلا وقد توفى.
وهؤلاء كانوا من أمراء الدولة الأشرفية تحيل منكوتمر على هلاكهم، بعضهم بالسم في القمز، وبعضهم في الطعام.
/فصل فيما وقع من الحوادث في
استهلت والخليفة: الحاكم بأمر الله العباسي.
وسلطان البلاد المصرية والشامية وما يتبعها من الممالك: الملك الناصر محمد بن قلاوون، ونائبه بمصر: سيف الدين سلار، ونائب الشام: جمال الدين أقوش الأفرم، ونائب حلب: سيف الدين بلبان الطباخي.
واستهلت هذه السنة والسلطان مسافر إلى جهة الشام كما ذكرنا، فإنه خرج بعساكره من القاهرة في الرابع والعشرين من ذي الحجة من السنة الماضية، ولما وصل إلى غزة أقام عليها مقدار شهرين لأجل التجهيز والتهيؤ للتتار، وقد ذكرنا ما جرى من أمور الأويراتية والعسكر مع السلطان على غزة، وكانت قضيتهم على منزلة تل العجول كما ذكرنا، ثم رحل السلطان ونزل على عسقلان، ثم رحل من عسقلان متوجها إلى الشام ودخل دمشق يوم الجمعة الثامن من ربيع الأول من هذه السنة، ونزل بالقلعة.
وكان يوم دخوله مطر شديد ووحل كثير، ثم شرع في الإنفاق على العساكر والخروج الى لقاء التتار.
وفي يوم السبت ثاني يوم دخول السلطان دمشق، ورد جمال كثيرة وقفول وخلق كثير، أولاً فأولاً، جافلين من أخبار التتار. وورد مملوك نائب حلب ونائب طرابلس وصاحب حماة وأخبروا بقدوم العدو. وأنه وصل إلى شاطئ الفرات. وأخبروا أنهم في عسكر عظيم، ولما تحققوا ذلك اتفق رأيهم على النفقة في العسكر، ودارت النقباء وعرفوا سائر الأمراء والأجناد. وأصبحوا جالسين في الميدان، وشرعوا في تفريق النفقات، وسيروا لكل أمير مقدم ألف نفقة مضافية وكان كل واحد منهم يطلب مضافية ويفرق عليهم ما أرسلوه إليه من النفقة، وكان لكل جندي منهم ثلاثين أو أربعين ديناراً مصرية. وكان واحد منهم يأخذ النفقة من يده ويقلبها ويقول: إش أشتري اليوم بهذا؟ فوالله لأخليها حتى يأخذها التتار. فإن الأشياء من سائر الأصناف تحسنت وغلت جداً خصوصا الدواب وآلات الحرب، وكان الجندي منهم يقول: إش بقى إما ثلاثة أو أربعة أيام؟، فنحن أحق بالذي نشتري به، ومنهم من كان يقول: لعن الله من ينظر الى فرجة العدو، فوقع في نفوس الناس الخذلان والانكسار سلفاً وتعجيلاً.