مات في هذه السنة مقتولا، قتله جماز بن سليمان، ابن أخيه، بالقرب من مدينة النبي عليه السلام، وكان قصد الغارة على أهل المدينة وغار على بعضهم، فركب جماز ومعه جماعة، والتقوا معه، فقتله جماز، وتباشرت الناس بقتله، وكان كثير الفتن، وسفك الدماء، وكان شجاعا مقداما، وانتشر له صيت في البلاد، وكان يدعى أنه من نسل البرامكة، فكان القاضي شمس اليد ابن خلكان يصدقه، وكان يقدم معه عند الملوك إذا اشتد به أمر، وآخره في الدولة المنصورية.

جمال الدين بن مصعب، توفى في هذه السنة بدمشق، وكان له فيها إقطاع، وكان ظريفا لطيفا شاعرا، وكان يلبس بالفقير.

فمن شعره في قصيدة يتشوق فيها إلى دمشق:

دمشق سقاها من دموعي السحائب ... وحيا رباها مدمعٌ لي ساكب

ولا برحت أيدي النسيم عواطفا ... غصونا لأعطاف الحبيب تناسب

بحيث يمد الظل فاضل برده ... على الغوطة الفيحاء وتصفو المشارب

ويا حبذا وادي المقاسم وادياً ... لقد جمعت في جانبيه العجائب

ترى السبعة الأنهار فيه جواريا ... فهذا لهذا صاحب ومجانب

وفي النيرب المعمور فض بنفسج ... به عطرت تلك الربا والربائب

فصل فيما وقع من الحوادث في

السنة الخامسة والتسعين بعد الستمائة

استهلت وخليفة الوقت: الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد العباسي.

وسلطان البلاد: الملك العادل زين الدين كتبغا، ونائبه بمصر: الأمير حسام الدين لاجين السلحدار المنصوري، والوزير: فخر الدين بن الخليلي، ونائب الشام: عز الدين الحموي.

وصاحب حلب: سيف الدين بلبان الطباخي.

وفي مستهل هذه السنة كان الغلاء والفناء بديار مصر شديدا، وقد تعانى الناس به، وكانوا يحفرون الحفيرة فيدفنون فيها القيام من الناس، والأسعار والأقوات في غاية القلة والغلاء، فمات بها في شهر صفر مائة ألف وثمانون ألفا، وامتد الغلاء بديار مصر حتى قيل إنه أبيع الفروج بالإسكندرية بستة وثلاثين درهما وبالقاهرة بتسعة عشر درهما، والبيض كل ثلاثة بدرهم، وأفنيت الحمر والخيل والبغال والكلاب، ولم يبق شيء من هذه الحيوانات.

وقال بيبرس في تاريخه: وكنت في الإسكندرية في أيام هذه المحن والفناء والغلاء، وعدت منها إلى الأبواب السلطانية في هذه السنة، فوجدت حال أهل القاهرة قد آل إلى التلف من المرض الشامل والموت العاجل، ولقد أبيع الفروج الواحد بعشرين درهما، والبطيخ الواحد بمائة درهم، والسفرجلة بثلاثين درهما، ومكث الناس على ذلك إلى أن لطف الله بهم وفرج الله هذه الشدة عنهم.

وفي نزهة الناظر: دخلت هذه السنة والحال مستمر على تمادي الغلاء وقلة الجلب، وقبل إدراك الزرع هاجت في ناحية بلاد المغرب وبرقة ريح سوداء مظلمة، فأثارت ترابا أصفر فكسى زرع تلك البلاد كلها فأرمى سنبله، والذي تأخر دخل فيه فأفسده، فرحل أهل تلك البلاد إلى نحو مصر، واستمرت تلك الريح والتراب الأصفر إلى أن عمت إقليم البحيرة والغربية والشرقية، ثم وصلت إلى أعلى الصعيد، وأخرت الزرع الصيفي جميعه مثل الأرز والسمسم والقصب والقلقاس، وجميع ما يزرع على السواقي، فصار في كل يوم يتزايد سعر الغلة، ثم أعقب ذلك أمراض اعترت الناس وحمى مزعجة وأمراض مختلفة، فعم الضعف الناس حتى قل من سلم من أهل بيت من ذلك؛ بل غالب كل من في بيت أو منزل صاروا ضعفاء، فبسبب ذلك تحسن سعر السكر وأنواع الأدوية، وعدمت الفواكه، وبيع الفروج بثلاثين درهما، والبطيخة بأربعين، والرطل منها بدرهم، وبلغ سعر القمح بالتدريج في هذه المدة الأردب إلى مائة وستين، وسبعين، درهما، ثم إلى مائة وتسعين، والشعير إلى مائة وعشرين، والفول إلى مائة وعشرة دراهم، وكذلك العدس والحمص ونحوهما.

ووصلت الأخبار من بلاد القدس والشام وصلت بتحسين الأسعار في الغلة، فوصل كل غرارة إلى مائتين وعشرين درهما، والشعير إلى مائة وعشرة، والرطل من اللحم إلى عشرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015