وفي صفر بعد موت الوزير ابن سلعوس اقتضى رأي الأمراء مع السلطان على وزير يدبر الدولة بعد الشجاعي، فاتفق رأيهم على الصاحب تاج الدين بن حنا، فطلب إلى مجلس السلطان وسألته الأمراء، فتمنع، فلم يقبلوا تمنعه، وخلع عليه وباشر الوزارة.
وولى النظر فخر الدين بن الخليلي، وتاج الدين بن السنهوري.
وعزل علم الدين الصوابي الجاشنكير من ولاية القاهرة، وتولاها الأمير شمس الدين ابن أمير جندار، وكان من بيت كبير من أكابر حلب، يعرف والده بأمير جندار الملك الناصر صاحب حلب، وحضر إلى مصر، وكان يلبس لبس الحلبيين الناصرية وعمامة مدورة من غير كلوتاه، ولغته لغة أهل البلاد، ولما تولى صار إذا أراد أن يضرب أحدا يقول: شلحوه عوض عن عروه، فشاع ذلك بين الناس، فلقبوه بشلحوه، وعظمت حرمته بالمدينة، وظهرت أمانته، فرسم له بولاية مصر أيضا مضافة لولاية القاهرة.
وفيها: في أواخر رجب، حلف الأمراء للأمير كتبغا مع الملك الناصر محمد ابن قلاون، وسارت البيعة بذلك في بقية المدن والمعاقل.
وفي شعبان: ركب الملك الناصر في أبهة الملك وشق القاهرة، وكان يوما مشهودا، وهذا كان أول ركوبه.
وفي شعبان أيضا: اشتهر أن في الغيطة التي بحرين بدمشق تنينا عظيما ابتلع رأسا من المعز كبيرا صحيحا، كذا ذكره البرزالي.
وفي شوال: اشتهر أن مهنى خرج عن طاعة الناصر وانحاز إلى التتار.
وفيها: أوقع نوغيه بن ططر بن مغل بن دوشى خان بن جنكزخان الحاكم ببلاد الشمال على كثير من التتار، وقد ذكرنا تقدمه ونمكنه في تلك الأقطار بامرأة منكوتمر ملكتهم واسمها ججك خاتون، وكانت قد تحكمت في زمن زوجها وفي مملكة تدان منكو الجالس على الكرسي بعده، وثقلت وطأتها عليهم، فشكوها إلى نوغيه، فأمر بأن تخنق فخنقت، وقتل معهما أمير كان يلوذ بها وينفذ أوامرها اسمه بيطرا.
وفيها: توقف النيل توقفا كثيرا، ثم انتهت زيادته إلى خمسة عشر ذراعا وثمان أصابع، فارتفعت بسبب ذلك الأسعار.
وقال صاحب نزهة الناظر: ولم يتعد الأردب عن الأربعين درهما.
وقال أيضا: وذكرت جماعة كثيرة أن النيل كسر من غير وفاء، ثم ذكر لي ابن أبي الرداد أنه بلغ الوفاء قبل كسره.
وفيها: حج بالناس الأمير عز الدين أيبك الخزاندار، رحمه الله.
الشيخ الإمام تاج الدين موسى بن محمد بن مسعود المراغي، المعروف بابن الحيوان الشافعي.
توفى فجأة يوم السبت، ودفن بمقابر باب الصغير، وقد جاوز السبعين، درس بالإقبالية وغيرها، وكان من الفضلاء، له يد طولى في الفقه والأصول والنحو، وكان له فهم جيد قوي.
قاضي القضاة شهاب الدين أبو عبد الله محمد بن قاضي القضاة شمس الدين أبي العباس أحمد بن خليل بن سعادة بن جعد بن عيسى بن محمد الشافعي الحوى.
أصلهم من خوى - بضم الخاء المعجمة وفتح الواو وتشديد الياء آخر الحروف - وهي بلد كبير مشهور بأذربيجان، توفى يوم الخميس الخامس عشر من رمضان منها عن سبع وستين سنة، ودفن بتربة والده بسفح قاسيون، ومولده في شوال سنة ست وعشرين وستمائة، اشتغل وحصل علوما كثيرة، وصنف كتبا جمة منها كتاب فيه عشرون فنا، وله نظم علوم الحديث، وكتاب التحفظ وغير ذلك، سمع الحديث الكثير، وكان محبا له ولأهله، وقد درس وهو صغير، ثم ولى قضاء القدس، ثم ولى قضاء حلب، ثم ولى قضاء القاهرة، ثم قدم على قضاء الشام مع تدريس العادلية والغزالية وغيرهما، وقد خرج له الحافظ المزى أربعين حديثا مثبتا فيه الإسناد، وخرج له تقي الدين عبد الله الأسعردى مشيخة على حروف المعجم اشتملت على مائتين وستة وثلاثين شيخا.
قال البرزالي: وله نحو ثلاثمائة شيخ لم يذكروا في هذا المعجم.
وله نظم حسن، فمنه قوله:
بلطفك مما خفته اليوم أستكفى ... فلا تقطع الألطاف يا دائم اللطف
وحط بي من كل الجهات بعصمةٍ ... لما حل من داء المخافة بي يشفي
يميني ومن فوقي وتحتي ويسرتي ... ولا تخلني منها أمامي ولا خلفي
أريد أمد الكف للخير سائلا ... فتأبى ذنوبي أن أمد له كفي
وكيف يناجي العبد سيده وقد ... تظاهر بالعصيان دهرا وبالخلف
مضى ما مضى والآن مالى حيلة ... سوى قصده والدمع مسترسل الوكف