فاستدعى كتبغا الأمراء الذين في الموكب، وعرفهم الصورة وهو واقف على سفح سوق الخيل، فتوقفوا عن الطلوع إلى القلعة، وتوهموا أن الشجاعي اتفق على ذلك مع الأمراء المنصورية والمماليك السلطانية، وكان بالموكب الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير أستاذ الدار، والأمير سيف الدين برلغى أمير مجلس فأمسكوهما في موقفهما رجماً بكواذب الظنون، وركونا إلى ما فعله الواشون، وأرسلوهما إلى الإسكندرية، فاعتقلا بها إلى أن علم براءتهما، ففرج عنهما، ورفع قدرهما، وكان ما سنذكره منهما.

وعند إمساكهما حصل التجاذب في الكلام بين بعض القوم اللائذين بالأمير كتبغا وبين سنجر البند قداري، فجرد سيفه، فقتل مكانته بسوق الخيل.

وتوجه كتبغا ومن معه من الأمراء إلى الباب المحروق وخرجوا منه، ونزلوا ظاهر السور، وأمروا مماليكهم وأجنادهم وألزامهم بأن يلبسوا عددهم ويجتمعوا حولهم، وأرسل كتبغا النقباء إلى الحلقة والمقدمين، فأحضروهم أجمعين.

وأرسل إلى السلطان في طلب علم الدين الشجاعي وقال له: إن هذا قد انفرد برأيه في القبض على الأمراء، وبلغنا عنه ما أنكرناه، ونختار حضوره ليحاقق عن نفسه، ويوضح لنا باطن أمره، فامتنع عن الحضور إليهم.

ثم إن السلطان طلع إلى البرج الأحمر وتراءى للأمراء، فقبلوا الأرض من مواقفهم وقالوا له: نحن مماليك السلطان ولم نخلع يدا عن طاعته، ولا لنا قصد إلا في حفظ نظام دولته، وإزالة الفساد عن مملكته، وهذا الشخص قد أحدث حدثا رديئا، يفرق الكلمة، ويخرق الحرمة، ولا بد لنا منه.

ثم إنهم حاصروه سبعة أيام، فكان ينزل إليهم، ومعه طائفة من الأمراء الذين أقاموا معه بالقلعة وهم: سيف الدين بكتمر، وسيف الدين طقجى ومن يلوذ به من المماليك لابسين، ويتناشون القتال، فلما رأى الذين معه أنه لم يغن شيئا تركوه وفارقوه، وصاروا ينزلون عشرة بعد عشرة ويلحقون بالأمير كتبغا، ومن معه من الأمراء الكبار، كالأمير بدر الدين بيسرى، وبدر الدين أمير سلاح، وعلم الدين طردج وغيرهم.

ولما تحقق علم الدين الشجاعي خمود ناره، وخمود أعوانه، خرج بنفسه وكر على الأمراء فما أغنت كرته، ففر عائدا، وبالقلعة لائذا، وقال: إن كنت أنا الغريم المطلوب وقد طلبوني بهذه الذنوب، فأنا أصير إلى الحبس طوعا مني، وأبرأ مما قيل عني وحضر إلى باب الستارة السلطانية وحل سيفه بيده، وذهب نحو الحوش، فوثب عليه مماليك الأمير أقوش السلحدار وسيف الدين صمغار، وكانا قد مضيا به نحو البرج الجواني ليحبساه، فضربوه بالسيوف وحزوا رأسه، وأرسلوها إلى الأمراء، فطيف بها القاهرة ومصر وضواحيهما.

وجرت المراسلات بين الأمير كتبغا والأمراء وبين السلطان؛ وتقررت الأيمان والعهود، وتأكدت، ثم طلعوا إلى القلعة وأشار الأمير كتبغا بالنفقة، فأنفق في العساكر قاطبة نفقة شاملة، وأصلح الأمراء والمقدمون بالزيادات والإقطاعات، وترتيب النظام، وأنزل من كان في الأبراج والطباق من المماليك الذين اتهموا بإنشاء الشقاق، فأسكنت طائفة منهم في مناظر الكبش، وطائفة في دار الوزارة، وطائفة في مناظر الميدان الصالحي والظاهري، واعتقلت منهم جماعة بعد اعترافهم بما قيل عنهم.

وذكر في بعض التواريخ أن هؤلاء المماليك كانوا ثمانية آلاف وخمسمائة مملوك، منهم أربعة آلاف مملوك وسبعمائة مملوك وأنزلوهم بخدامهم وبابيتهم إلى مناظر الكبش، وإلى قاعات دور الوزارة ألفين وأربعمائة مملوك، وإلى أبراج باب زويلة ألفا وأربعمائة مملوك، وزادوا في رواتبهم حتى لا يتحركوا ولا يفسدوا.

وفيها كان ظهور الأميرين شمس الدين قراسنقر وحسام الدين لاجين المنصوري من الاستتار، وقد ذكرنا أنه لما جرى لبيدرا ما جرى، انهزما إلى القاهرة وأقاما بها مختفين، ثم أعلما مملوكا من مماليك زين الدين كتبغا يسمى بتخاص بأمرهما، وأطلعاه على موضعهما، فأطلع مخدومه على ذلك، فتلطف لهما مع السلطان إلى أن سمح لهما بالأمان، فظهرا ومثلا بين يديه، وقبلا الأرض لديه، فرضى عنهما، وعفا عن السالف من دينهما، وأمر لكل واحد منهما بإمرة، وعادا إلى أحسن ما كانا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015