كان أصله من جملة المغول الذين وصلوا البلاد من عسكر هلاون، ... ... ... . قلت: ولما سير هلاون عسكرا صحبة كتبغا نوين وأمرهم بالدخول إلى مصر، فالتقى مع السلطان الملك المظفر قطز على عين جالوت، وانتصر السلطان على ما ذكرناه، وقتل كتبغا، وانهزم المغلية، فلما وصلوا إلى هلاون غضب عليهم، وقال كتبغا مات بيديكم، وسلمتم أنتم، ثم أمرهم بالرجوع إلى الشام، ورسم أن كل من أقام في الأردو قتل، فرجعوا وعبروا الفرات، ودخلوا إلى حلب، وصاروا يغيرون على أهل الضياع، فاجتمعت جماعة من أهل حلب مع صاحب حماة، وصاحب حمص، وجماعة من التركمان، فركبوا لهم، والتقوا معهم في ظاهر حلب، وكسروهم كسرة شنيعة، وأخذوا جميع ما كان معهم، ولم يصل أحد منهم إلى الفرات إلا قتيلا أو غريقا، ونسوانهم جواري ومماليك، فكان من جملة الأسرى والدة بيدرا، أخذوها وهي حاملة بيدرا على ظهرها في مهد.

قال صاحب النزهة: كما حكاه الأمير علم الدين الدواداري الصالحي، وأنه قد سير الأسرى وهم جماعة كثيرة إلى مصر في الدولة الظاهرية، وقال: فيهم والدة بيدرا، وهو معها صغير، وفيهم أيضا كتبغا ولكن كان في ذلك الوقت مراهقا للبلوغ، ولما حضروا إلى مصر فرقهم السلطان الملك الظاهر، فوقعت والدة بيدرا مع ابنها في يد قلاون، وأعطى قلاون أم بيدرا لمملوكه سنجر الشجاعي، وكبر بيدرا، وكان منه ما كان.

قال الراوي: وكثير من الناس يزعمون أن كتبغا وبيدرا أخذا في نوبة حمص في دولة الملك المنصور، وهذا غلط، وقد حكى ذلك عن الأمير علم الدواداري على ما ذكرنا، حدث عنه جماعة كثيرة بذلك، وصدقه أيضا على هذا المقول الأمير علم الدين أبو خرص، مملوك الملك المظفر صاب حماة، وقد سأله الأمير لاجين - وهو نائب الشام بحضور الملك الكامل - عن أمر بيدرا وكتبغا، فذكر مثل الدواداري فصدقه على قوله.

قال الراوي: وسمعت ذلك من شرف الدين بن الملك المغيث بن الملك الكامل.

وكان بيدرا تقلبت به الأحوال إلى أن صار نائب السلطان الأشرف، وكانت له حرمة كبيرة، ودولة وافرة، وكان مأمون الغائلة، سهل العريكة، حصل للجند في أيامه خير كثير، ونفقات كثيرة، وأنعم عليهم بإقطاعات وإنعام مع بشاشة وجه، وكان مبدعا في محاسنه، لطيفا ظريفا، حسن الأخلاق، عذب المنطق، متحليا بصفة الآداب، مشغوفا بالطرب، وجد له في الحوطة على موجوده ستون جارية، ما فيهن واحدة إلا وقد أتقنت صنعة الطرب من أنواع الملاهي، وكان يخلو بهن في الليل، وكان له نديم أعمى لا يكاد يفارقه، وكان له تولع عظيم بالأطعمة الحسنة والمشارب الطيبة.

قال الراوي: ولم يسمع لنائب قبله ولا بعده، له حوائج خاناه وشراب خاناه مثله، ولقد حكى لي شاهد ديوانه: أن السلطان لما سافر إلى فتح قلعة الروم اختار أن يطعم الأمراء حلاوة سكب، وذلك في الرمل في الطريق، وتولى عمل ذلك حسام الدين الأستاذدار، واحتاجوا في ذلك إلى فستق، فقال: أبصروا في حوائج خاناه نائب السلطان، فإنها لا تخلو منه، فأرسلوا وسألوا فوجدوا في حاصله في ذلك الوقت ثمانية أحمال قلب فستق، وستة أحمال بقشره، فأخذوا منها حمل قلب فستق، فلما فرغوا من عملها جعلوها في أطباق وصحون وفرقوها على الأمراء.

قال الراوي: ذكر لي أنهم كانوا في ذلك الوقت في منزلة الورادة، ولم يوجد بعد وفاته في تركته شيء كثير، لأنه فرق أكثرها قبل موته، وخلف ثلاثة أولاد ذكور وبنتا واحدة.

قال الراوي: وآخر من بقي من أولاده صلاح الدين، وحضرت يوما عنده، فأخرج محاسبة بين كتبغا وبين ورثة بيدرا - فإن كتبغا ولى النيابة بعده، وأخذ إقطاعه وسائر غلاله وحواصله - تشتمل على ستين ألف أردب غلة ومائتى أردب برسيم، وثلاثمائة وثمانين رأس بقر، وست حجارة معاصير، وأربعة آلاف قطعة قند، واثنى عشر ألف مطر عسل قصب، ومائتى قنطار سكر، وألفى أردب فول، ونحو ثلاثمائة ألف درهم، سوى خيام وسلاح ونحوهما.

قال صلاح الدين: ولم يصل إلى منها شيء يساوي درهما.

ولما قتل بيدرا كان عمره إحدى وأربعين سنة، سامحه الله.

ذكر ما وقع بالمدينة بعد قتل الأشرف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015