ولما التقى الجمعان، واقتتل الفريقان، تسحب الأمير بدر الدين بيسرى، وسيف الدين بكتمر السلحدار، والأمير سيف الدين بهادر الحاج، وانحاز عنه جماعة ممن كانوا قد انضموا إليه، والتف عليه، ولما رأى العربان أن الذين مع بيدرا قد تفللوا وتسللوا، فهربوا هم أيضا، وطلبوا البر، فلم يبق معه إلا نفر يسير، وهاجمهم الأمراء وعاجلوهم، فلم يتمكنوا من مراسلة ولا مخاطبة، فما كان بأسرع من أن صدموهم، وقتل بيدرا لساعته، ولما خر صريعا وثب إليه بكتمر السلحدار سريعا، وبقر بطنه، واستخرج كبده، وأخذ منها فلذة وابتلعها حنقا عليه، وحز رأسه، وحمل إلى المدينة على رمح، وطيف به في القاهرة ومصر، ودفنت جثته بالطرانة، وتمزق من كان وافقه من الأمراء، وتفرقوا في الأقطار.
وأما حسام الدين لاجين، وشمس الدين قراسنقر، فإنهما دخلا القاهرة بغتة، واستترا فيها مدة، وأما من سواهما فكل منهم عمد إلى مكان، واستتر بعضهم في القاهرة وأطراف البلدان.
وكان بالقلعة سنجر الشجاعي مقيما فاحترز على المعادى والمعابر، وأمر بأن لا يعدى بأحد من الجند من بر الجيزية.
ووصل الأمير زين الدين كتبغا، وركن الدين بيبرس الجاشنكير، وحسام الدين لاجين، وسيف الدين برلغى، والأمراء الخاصكية وهم طقجى وطقطاى وقطبية وغيرهم من المماليك السلطانية، واتفقوا مع علم الدين الشجاعي وقرروا أن تكون السلطنة للملك الناصر محمد بن قلاون، هذا ما ذكره بيبرس في تاريخه.
وفي نزهة الناظر: وحين ركب بيدرا ومن معه، وأراد التوجه إلى المدينة بسرعة، جاءت إليهم العرب، وأخبروهم أن مماليك السلطان الذين رجعهم السلطان مع الطلب إلى المدينة قد بلغهم أن السلطان قتل، وأن الأمراء قد اجتمعوا معهم وهم قاصدون إليكم، وكان الذي أخبرهم بذلك الأمير سنكو الدوادار، وهو من الذين ركب مع السلطان، ورأى قتله، فلم يرجع إلى مخيمه، ولا ألوى على شيء، وساق حتى بلغ الطلب وأمير على قدام الطلب، فأخبرهم بالخبر.
وقام قتال السبع، وجمع المماليك السلطانية، وكان الأمير كتبغا، والأمير حسام الدين أستاذدار قريبين منهم، فأرسلوا إليهما من عرفهما بذلك، فجاء إليهم واجتمعوا وتحالفوا، ثم ساروا نحو بيدرا ومن معه.
وعند انشقاق الفجر وقعت أعين الطائفتين بعضهم على بعض، وأشار حسام الدين إلى المماليك السلطانية أن يتطوقوا بمناديل بيض حتى يتميز بعضهم من بعض ففعلوا ذلك، وكان لاجين وقراسنقر لما بلغهما خبر هؤلاء الذين مع الطلب سيرا من يكشف خبرهم، ويعرفهما من فيهم من الأمراء، وكم عدتهم فحضر وكشف، ثم عاد، وأخبرهما أن سائر المماليك السلطانية، وقتال السبع، وكتبغا، وحسام الدين الأستاذدار، ونحوا من عشرين أميرا من البرجية............، ولقد علمت من نفسي أني أنا المطلوب، ومتى سلمت نفسي رأيت ما لا أشتهي، فالموت على ظهر فرسي خير من ذلك، ومن سلم منكم وعاش يكون نظره على أولادي، ثم عطف رأس فرسه وصاح بمماليكه أنه لا يقاتل معي إلا من يموت، ومن اختار الحياة فليرجع، ثم حمل، وحمل معه قراسنقر ولاجين قدامه إلى أن التحم القتال، وبيدرا التقى مع طقجى وأمير عمر فتضاربوا، وضرب كل واحد منهم صاحبه بالسيف، فلم يؤثر، ورمى من ذلك الوقت فرس بيدرا بالنشاب، فجرح إلى الأرض وجلس على الأرض، ودافع عن نفسه إلى أن قتل، وقتل معه من مماليكه نحو اثنى عشر نفرا، وبعد ذلك عادت جماعة من الأمراء الذين كانوا معه إلى طلب السلطان، ثم شرعوا في قبض مماليك بيدرا، ومن كان معه من المخامرين، وجمعوا أثقالهم وخيلهم، وعادوا بهم إلى القاهرة.