فرتب القاضي تاج الدين أبا العباس أحمد بن شرف الدين سعيد بن شمس الدين أبي جعفر محمد بن الأثير الحلبي التنوخي صاحب ديوان الإنشاء الشريف، لأنه كان ماهرا في هذه الصناعة، فلم يلبث إلا شهرا أو حول شهر حتى أدركته الوفاة، فقضى إلى رحمة الله في العشر الأوسط من شوال من هذه السنة بظاهر غزة، وعمره أحد وسبعون سنة، وكان ماهرا في حل المترجم، بلغ فيه إلا أن حله بأحد عشر شكلا، وولى بعده ولده القاضي عماد الدين أبو الطاهر إسماعيل ابن أحمد، ولم يزل به إلى آخر سنة اثنتين وتسعين وستمائة.
وللقاضي فتح الدين شعر حسن، فمنه قوله:
إذا كنت ذا أصل فكن متواضعاً ... إن التواضع من زكاة المغرس
وإذا حللت بمجلسٍ فاجلس به ... حيث انتهيت فذاك صدر المجلس
وله: وكتب بها إلى ابنه في مرضه الذي مات فيه:
إن شئت تنظرني وتنظر حالتي ... قابل إذا هب النسيم قبولا
فتراه مثل رقة ولطافة ... ولأجل قلبك لا أقول عليلا
وهو الرسول إليك مني ليتني ... كنت " اتخذت مع الرسول سبيلا "
الأمير عماد الدين يونس بن علي بن رضوان بن قرقس.
توفى في شوال منها، ودفن بتربة والده بالحزيميين داخل دمشق، وكان عنده فضيلة ومكارم أخلاق، وكان بعد موت أبيه أعطى طبلخاناة، وبقى على إمرته إلى أواخر الدولة الناصرية، ثم بطل الإمرية في الدولة المظفرية، وباع أملاكه ونفقها، وبقى يتقوت من وقف والده، وكان الملك الظاهر يكرمه.
الأمير شرف الدين بن خطير أحد أمراء دمشق.
استشهد في فتح قلعة الروم، وكان من بيت كبير في بلاد الروم، ولوالده عدة مماليك وردوا صحبته، وصار له في مصر سمعة وشأن، وتأمرت منهم جماعة كثيرة.
الأمير شهاب الدين أحمد بن الركن أمير جندار، مات شهيدا على قلعة الروم.
الأمير سابق الدين الميداني.
مات بدمشق في العشرين من شوال، ودفن بقاسيون، كان أميرا كبيرا شجاعا ذا مهابة، وتأمر بعض مماليكه فيما بعد.
الأمير علم الدين سنجر الحلبي.
مات في عاشر ذي القعدة وكان قد مرض بعد حصار قلعة الروم، فحمل في محفة إلى مصر، فمات بعد حضوره بسبعة أيام، وكان من أكابر الأمراء الصالحية، عصى على الظاهر وتسلطن بالشام كما تقدم، وكان طويل القامة، مخلا بعينه اليسرى، ذكروا عنه أنه أصيب بسهم، وكان ذا بأس وشهامة، وقوة وشجاعة، وإقدام شديد.
وقيل: إنه كان في الدولة الظاهرية إذا نزل من الخدمة إلى بيته لا ينزل عن فرسه حتى يقدم له قنطارته محشوة برصاص فيلعب بها وهو راكب، ثم يأتي إلى فردة تبن فيطعنها ويشيلها من الأرض، ثم ينزل ويأخذ عمودا حديدا زنته قنطار فيلف به يمينا ويسارا، ثم يجلس على سماطه فيأكل خروفا، ومات وهو في عشر التسعين وقد انحنى وبان عليه الكبر، وقيل: مات وعمره اثنان وتسعون سنة.
الملك المظفر قرا أرسلان بن إيلغازى بن أرتق الأرتقى، صاحب ماردين.
توفى في هذه السنة، وله ثمانون سنة، وكانت دولته ثلاثا وثلاثين سنة، وقام من بعده ولده شمس الدين داود ولقب بالملك السعيد.
الملك الكامل بن الملك المعظم، أحد ملوك بني أيوب.
توفى بدمشق في هذه السنة، وكانت له حشمة وأدب.
فصل فيما وقع من الحوادث في
استهلت هذه السنة، وسلطان البلاد المصرية والشامية: الملك الأشرف خليل بن الملك المنصور قلاون الصالحي الألفي.
وفيها: ظهرت نار بأرض المدينة النبوية، نظير ما كان في سنة أربع وخمسين على صفتها إلا أن هذه يعلو لهيبها كثيرا، وكانت تحرق الصخر ولا تحرق السعف، واستمرت ثلاثة أيام، كذا ذكر في تاريخ ظهير الدين الكازرونى.
وفيها: ورد كتاب من نائب حلب يذكر فيه أن صاحب سيس قد تعرض لبعض التجار وأخذ أموالهم، وأخذ منهم جماعة أسرى، وأنه أرسل إليه كتابا، فأمره برد مالهم والأسرى إليه، وإلا سير إلى بلاده عسكرا للغارة؛ وأنه أرسل إليه كتاب يذكر فيه أنه ما تعرض لشيء من ذلك ولا عنده أسرى، واستأذن نائب حلب من السلطان في تجريد عسكر من حلب إلى بلاده، ويضيف إليهم جماعة من التركمان.