قلت: موفق الدين هذا هو أبو المعالي محمد بن عز الدين محمد بن محمد بن عبد المنعم، وعز الدين هو الإمام العلامة الزاهد العابد القدوة العارف شيخ الطريقة أبو العباس أحمد الفاروثى الواسطي الرفاعي، وكان قد تولى الخطابة بجامع دمشق في الثاني والعشرين من ربيع الأول من هذه السنة، عوضا عن الشيخ زين الدين بن المرحل بحكم وفاته.

وفيها: وصل مملوك نائب حلب إلى القاهرة، وعرف السلطان أن نائب حلب عند توليته - كما تقدم - جرد عسكرا إلى ناحية ملطية بسبب الغارة، وذلك أن بعض التجار شكا إليه أن جماعة طرحوا عليهم من أهل ملطية، فأخذوا ما معهم، وجعل مقدم المجردين الأمير سيف الدين بكتمر الحلبي، فساروا إلى أن وصلوا إلى أرض ملطية وهجموا على ربضها، فوجدوا قد نزل بها تلك الليلة أمير تومان ومعه أربعة آلاف فارس، وكان السبب لحضورهم أن أهل ملطية لما اتفق منهم ما اتفق، علموا أن نائب حلب لا بد أن يجرد إليهم عسكرا، فبعثوا إلى نائب الأردو وعرفوه بذلك، فسير إليهم هؤلاء، واتفق وصولهم مع وصول عسكر حلب في تلك الليلة، فلما هجموا رآهم المغول فركبوا إليهم، وكان عسكر حلب ألفا وخمسمائة فارس، فلما رأوا المغول اجتمعوا وتشاوروا ماذا يكون العمل؟ فقال الحلبي وكان من أهل الشجاعة والفروسية: أنتم تعلمون أن حلب بعيدة وإذا قصد أحد منا أن يهرب يموت في الطريق ويكون من أهل جهنم، فنقوم ونجتهد، فإن فتح الله لنا ونصرنا على هؤلاء يكون لنا الوجه الأبيض عند الله وعند السلطان والناس، وإن قتلنا فيكون الأجر على الله ونبعث مع الشهداء، وأنا أول من يصدم هؤلاء ونفسي تحدثني بالنصر، فأجابوه بالسمع والطاعة، فعند ذلك جمعهم طلبا واحدا، فصدمهم صدمة عظيمة، فجاءت طعنة لمقدم المغول من بعض الحلبيين، فوقع إلى الأرض، وولى بقية أصحابه منهزمين، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وأخذوا جمالا كثيرة، وأغناما كثيرة، ورجعوا إلى حلب سالمين ومعهم رءوس القتلى وثلاثون أسيرا من المغول، فكتب النائب بذلك إلى السلطان، فرسم له بالتشريف وكتب له بالشكر والثناء، ورسم لبكتمر الحلبي بإمرة طبلخاناة، وكان أمير عشرة، ووردت بعد ذلك رسل من ملطية ومعهم جميع ما عدم لذلك التاجر، فرسم السلطان بفكاك أسراهم.

وفيها: حج بالناس الأمير سيف الدين الباسطي المنصوري.

ذكر من توفي فيها من الأعيان

الخطيب الإمام العالم زين الدين أبو حفص عمر بن مكي بن عبد اصمد الشافعي، المعروف بابن المرحل.

وهو والد الشيخ صدر الدين بن الوكيل، سمع الحديث وبرع في الفقه، وفي علوم شتى منها علم الهيئة وله فيه وفي غيره تصانيف، وقد ولى خطابة جامع دمشق، ودرس، وأفتى، وكانت وفاته ليلة السبت الثالث والعشرين من ربيع الأول، ودفن بباب الصغير.

جلال الدين الخبازى: هو الشيخ الإمام العلامة عمر بن محمد بن عمر أبو محمد الخجندي، أحد مشايخ الحنفية الكبار.

أصله من بلاد ما وراء النهر، واشتغل هناك، ودرس بخوارزم، وأعاد ببغداد، ثم قدم دمشق فدرس بالعزية البرانية، والخاتونية البرانية، وكان فاضلا، بارعا، منصفا مصنفا في فنون كثيرة.

وقال الذهبي في حقه: المفتي الزاهد الحنفي، رأيته لما قدم دمشق فدرس بالمعزية البرانية، ثم حج، ودرس بالخاتونية البرانية.

قلت: ومن تصانيفه الحواشي على الهداية المشهورة، وكتاب المغنى في أصول الفقه وهو كتاب نافع عظيم، ومختصر لطيف كاف شاف، وشرحه كثير من المتأخرين، فأوضحها بيانا شرح الإمام العالم سراج الدين الهندي الحنفي، وهو أول كتاب قرأته في الأصول على المشايخ الكبار في البلاد الشمالية في حدود سنة ثمانين وسبعمائة، وكانت وفاته لخمس بقين من ذي الحجة، وله ثمان وستون سنة، ودفن بمقابر الصوفية.

الشيخ الفاضل الأديب نجم الدين أبو بكر بن أبي العز بن مشرف الأنصاري الكاتب.

مات في هذه السنة، وصلى عليه بجامع دمشق، ودفن بسفح قاسيون.

وكان من الفضلاء، وكان يكتب خطا منسوبا على طريقة ابن البواب، وله نظم حسن، فمن ذلك قوله يمدح علم الدين الدواداري:

إن المحل إذا علا ... وقف المفوه في الملا

وأجاد في وصف القري ... ض مجملا ومفصلا

وأراك قسا في عكا ... ظ إذا محاسنكم تلا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015