فاجتمع تلابغا ونوغيه، وأخذا في الحديث والاستشارة، فلم يشعر تلابغا إلا والخيول قد أقبلت إليه، فتحير في أمره، وحاق به ما أبرمه نوغيه من مكيدته ومكره، ووقف العسكر ينتظرون ما يأمرهم نوغيه بفعله ليفعلوه، فتقدم إليهم بإنزال تلابغا وأولاد منكوتمر الذين معه عن خيولهم، فأنزلوهم، وأشار بربطهم فربطوهم.

وقال لطقطا: إن هذا تغلب على ملك أبيك وملكك، وهؤلاء بنو أبيك وافقوه على أخذك وقتلك، وقد سلمتهم إليك فاقتلهم أنت كما تشاء، فكمرت رؤوسهم وكسرت، وهم: تلابغا، وألغى، وطغر لجا، وملغان، وقدان، وقتغان أولاد منكوتمر.

وتسلطن طقطا بن منكوتمر بعد تلابغا ببلاد الشمال في سنة تسعين وستمائة، ولما سلم له نوغيه الملك ورتبه فيه رتب عنده إخوته المنتفعين معه وهم: برلك، وصراى بغا، وتدان، وقال: هؤلاء إخوتك يكونون في خدمتك، فاستوص بهم خيرا.

وعاد نوغيه إلى مقامه، وبقى في نفسه من الأمراء الذين كانوا اجتمعوا مع تلابغا عليه عندما أرسل يستدعيه إليه، فدبر عليهم، كما سنذكره إن شاء الله تعالى.

؟ فصل فيما وقع من الحوادث في

السنة الحادية والتسعين بعد الستمائة

في الرابع والعشرين من محرم من هذه السنة وقع حريق عظيم بقلعة الجبل، ببعض الخزائن، وقد أتلف شيئا كثيرا من الذخائر والنفائس والكتب، ومن بينها كتب عظيمة من ذخائر الملوك التي تحتوي على العلوم الشريفة.

ذكر فتح قلعة الروم

والسبب في ذلك أن.... صاحب هذه القلعة.... السلطان الملك المنصور صالح.... وأكثروا الفساد، وأن التتار لما حصل بينهم حرب عند وفاة ملكهم جاء الكثير منهم إلى قلعة الروم، فاتفقوا مع أهلها على قطع الطريق إلى المسلمين، وأخذوا منهم أسرى كثيرة، وقطعوا الطرقات، فأرسل نائب حلب بذلك إلى السلطان، وأنه لم يبق في دار الإسلام من قلاع الكفر غير هذه القلعة يفتحها.... .

ولما وقف السلطان الأشرف على كتابه طلب الأمراء، واستشار بعضهم في ذلك، فأشاروا كلهم بالعزم إليها وفتحها، فكتب إلى نائب حلب ونائب دمشق بتجهيز سائر الآلات للحصار، وأقام أياما يجهز العساكر، ولما كمل ربيع الخيل في مصر، خرج السلطان ثامن ربيع الآخر، وصحبته العساكر المصرية، ووزيره ابن سلعوس، ووصل إلى دمشق سادس جمادى الأولى، وكان يوما مشهودا.

وحضر إليه في دمشق صاحب حماة الملك المظفر، ثم استعرض الجيوش وأنفق فيهم أموالا عظيمة، وجمع عساكر مصر والشام، ثم خرج من دمشق يوم الاثنين السادس عشر من جمادى الأولى.

وسأل صاحب حماة بيدرا والشجاعي وأكابر الأمراء أن يضيف السلطان إذا نزل بجهة حماة، فتحدثوا مع السلطان فأجاب إليهم، فلما نزل حماة، وكان صاحب حماة قد سبقه، هيأ له ما يحتاج إليه، ومد له سماطا بالميدان، فدخل السلطان والأمراء والجند وغيرهم، وجلس السلطان على رأس السماط، وخدم الملك المظفر، وأراد أن يأخذ شيشنى فمنعه السلطان من ذلك، وبقى واقفا على رأس السماط، وحلف أنه لا يجلس حتى يفرغ السلطان، وصنع أحواض سكر وليمون، وأحواض سكر وسويق، وأحواض أقسما، وأحواض قمز، واحتفل احتفالا عظيما.

وقال صاحب نزهة الناظر: أخبرني علم الدين الطيبرسي أنه سأل مباشري صاحب حماة عن أمر هذا المهم، فأخبره صارم الدين أستاذ داره أنه ذبح في ذلك اليوم ألف رأس ومائتي رأس من الغنم، ومائة فرس، وثمانين بقرة، وعمل ألف صحن من الحلواء.

وقال ابن كثير: وصل السلطان إلى حماة وضرب دهليزه عند ساقية سلمية، ومد له الملك المظفر سماطا عظيما بالميدان، ونصب خيما يليق بنزول السلطان، فنزل السلطان بالميدان، وبسط بين يدي فرسه عدة كبيرة من الشقق الفاخرة، ثم دخل الأشرف دار الملك المظفر بمدينة حماة، فبسط له الملك بين يدي فرسه بسطا ثانيا، وقعد السلطان بالدار، ثم دخل الحمام وخرج، وجلس على جانب العاصي، ثم راح إلى الطيارة التي على سور باب الثقفي المعروفة بالطيارة الحمراء، فقعد فيها، ثم توجه من حماة وصاحب حماة وعمه في خدمته إلى المشهد، ثم إلى الحمام والزرقاء بالبرية، فصاد شيئا كثيرا من الغزلان وحمر الوحش.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015