وملك التتار بالبلاد الشمالية، التي تختها مدينة صراى: تلابغا بن منكوتمر ابن طوغاى بن باطو بن دوشى خان بن جنكزخان.
وفيها في أول السنة، وكان يوم الخميس، تصدق الأشرف عن والده المنصور بأموال كثيرة جدا من الذهب والفضة، وأنزل السلطان إلى تربته في ليلة الجمعة، فدفن فيها تحت القبة، ونزل في القبر بدر الدين بيدرا، وعلم الدين الشجاعي.
وفي ليلة الجمعة الثامن والعشرين من صفر، عمل الأشرف ختمة عظيمة لوالده أنفق فيها أموالا كثيرة، فنزل بنفسه وفرق في الفقهاء والقراء من جميع أهل المدارس والزوايا والربط خمسة وأربعين ألف درهم وألف قميص.
وفي أوائل العشر الأول من المحرم ورد شمس الدين بن سلعوس من مكة، وقد ذكرنا أن الأشرف كان أرسل إليه نجابا يستدعيه، فحضر في هذا التاريخ وولاه الوزارة.
والسبب إلى وصول هذا للأشرف واتصاله بالأمور التي لم يصلها متعمم قبله من أبناء جنسه في الوزارة أن أباه كان رجلا تاجرا في متجر القماش، توفى وورث منه مالا جزيلا، وشرع يصحب للصاحب تقي الدين توبة ناظر الشام ويتردد إليه إلى أن حصل أخذ المرقب، ودخل التقي إلى مصر صحبة السلطان المنصور، فدخل معه ابن سلعوس هذا، فرأى مصر وجندها وأمراءها، فأعجبه ذلك، وقال للتقي: أشتهي أن أكون مباشرا عند أحد من الأمراء ممن له تعلق في دمشق، واتفق أن فخر الدين ابن الخليلي كان في ذلك الوقت ناظر ديوان الأشرف، فسأل التقي توبة أن يحصل له شخصا من أهل دمشق يباشر ديوان الأشرف في دمشق، فقال له: إن ههنا شخصا من دمشق، وهو صاحب مال جزيل من بيت كبير، فأحضره إليه، ودخلوا به إلى الأشرف، وتحدث معه التقي في أمره، فقبله وخلع عليه، وولاه أمر ديوانه، ثم إنه عند وصوله إلى دمشق جهز للأشرف تقدمة هائلة، ثم لم تزل هداياه متواردة متوالية، واتفق بعد ذلك بمدة أن محتسب دمشق توفى، فجهز تقدمة لها صورة، فسأل مباشرة الحسبة، فسعى له الأشرف عند والده، وأخذ له توقيعا بالولاية، واستمر على ذلك إلى أن دخل مصر، وباشر ديوان الأشرف، ثم حصل له ما ذكرنا مع طرنطاى نائب السلطنة من الأمور المنكرة حتى أنه دخل من مصر بعد شدة رآها إلى أن جهز نفسه في السنة الماضية إلى الحجاز الشريف، واتفق موت السلطان المنصور وتولية ابنه الأشرف، فكتب إليه كما ذكرنا في السنة الماضية، ووصل في أوائل هذه السنة، ولما وقف بين يدي الأشرف أكرمه إكراما عظيما، وقربه، وجعل يشكر فيه عند الأمراء، وخلع عليه خلعة الوزارة يوم الاثنين الثاني عشر من المحرم، ورسم لبيدرا والشجاعي وبقية الأمراء أن يخرجوا في خدمته. فمشوا في خدمته. وبغدى الدوادار حامل الدواة بين يديه.
وكان له نهار عظيم ما وقع لوزير مثله.
ثم رسم السلطان أن يركب الخدام يوم الاثنين والخميس في موكبه، وولى بدر الدين مسعودي شد الدواوين فعظمت مهابته.
ولما استقر أمره طلبه السلطان وعرفه أن والده الشهيد كان قد عزم على الغزاة، وفتح حصن عكا، فأدركته الوفاة، وأنه قد عزم على ذلك، وأمره أن يجهز الأموال للنفقات على الأمراء والأجناد، وأذن للأمراء أيضا أن يجهزوا أحوالهم، وأمر الأمير عز الدين الأفرم أمير جندار أن يذهب إلى نائب الشام، ويقول له: رسم السلطان أن تجهز جميع ما يحتاج إليه المجانيق وآلات الحصار، ويتقدم بها إلى حيث يصل ركابه، فمضى من يومه على البريد.
وأما ابن سلعوس فإنه قد بسط يده ولسانه، وأظهر من العظمة والكبرياء أمرا عظيما، ورسم لبعض مماليك السلطان أن يركبوا في خدمته، فصار يركب في موكب كبير، ووسع له السلطان في الجامكية والرواتب، وألقى مقاليد الدولة إليه، فكان الزهو والكبرياء سببا لوباله، على ما نذكره إن شاء الله، فلله در القائل:
من ناط بالعجب عرى أخلاقه ... نيطت عرى المقت إلى تلك العرى
من طال فوق منتهى بسطته ... أعجزه نيل الدنى بله القضا
من لم يقف عند انتهاء قدره ... تقاصرت عنه فسيحات الخطا