الإمام العلامة رشيد الدين أبو حفص عمر بن إسماعيل بن مسعود الفارقي الشافعي، المدرس بالمدرسة الظاهرية بدمشق.
ذكر الدرس بها في الرابع من محرم هذه السنة، ثم دخل إلى مسكنه، فدخل عليه شخصان ممن يلوذون به، فخنقاه لأجل ماله - وعرفا بعد ذلك - وصلى عليه بالجامع الأموي، ودفن بمقابر الصوفية. ومولده سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، وقد جاوز التسعين، وكان من أفراد الزمان في سائر العلوم من الفقه، والأصلين، والنحو، وعلمي المعاني والبيان، وحل الترجمة، والكتابة والإنشاء، ونظم الشعر، وعلم الفلك، وضرب الرمل، والحساب، وغير ذلك.
ومن شعره ما ذكره الشيخ علم الدين البرزالي قال: أنشدني الشيخ رشيد الدين لنفسه.
مر النسيم على الروض الوسيم فما ... شككت أن سليمى حلت السلما
ولاح برق على أعلى الثنية لي ... فقلت برق الثنايا لاح وابتسما
مثنى الحبيبة رواك السحاب فكم ... ظمئت فيك وكم رويت فيك ظما
به رأيت الهوى حلوا ومنزلنا ... للسهو خلواً وذاك الشمل ملتما
والدار دانيةٌ والدهر في شغلٍ ... عما نريد وفي طرف الرقيب عمىً
والشمس تطلع من ثغر وتغرب في ... ثغرٍ وتجلو سنا أنوارها الظلما
وظبية من ظباء الإنس ما اقتنصت ... ولا استباح لها طرف الزمان حما
وجفنها فيه خمرٌ وهو منكسرٌ ... والخمر في القدح المكسور ما علما
وثغرها يجعل المنظوم منتثرا ... من اللآلى والمنثور منتظما
تبسمت فبكت عيني وساعدها ... قلبي ولولا لما الثغر البسيم لما
ولفظها فيه ترخيمٌ فلو نطقت ... يوماً لا عصم وافاها وما اعتصما
ولح لاح عليها قلت لا تكن لي ... ... ... ...
تعذيبها لي عذب والشفاه شفا ... تجنى وأجنى ولا يبقى اللما الما
خود تجمع فيها كلٌّ مفترق ... من المعاني التي تستغرق الكلما
عطت غزالا سطت ليثا خطت غصنا ... لاحت هلالا هدت نجما بدت صما
لما سرت أسرت ... ... ... ... ... ... ...
وصار مربعها قلبي ومربعها ... ... ... ... ...
ولم أكن راضيا منها بطيف كرى ... فاليوم من لي ... ... ... ... ...
الخطيب جمال الدين أبو محمد عبد الكافي بن عبد الملك بن عبد الكافي الربعي، خطيب جامع دمشق.
توفى بدار الخطابة بعد أن صلى الصبح، وصلى عليه الشيخ برهان الدين السكندري، وحمل نعشه على رؤوس الأصابع، وامتد الناس إلى الصالحية، ودفن برباط الشيخ يوسف الفقاعي، وباتت عنده الجهات، وأقام الناس عنده أياما ولياليا، ومولده في شعبان سنة اثنتى عشرة وستمائة، وكان موته سلخ جمادى الأولى من هذه السنة.
الشيخ الزاهد العابد العالم أبو طاهر فخر الدين إسماعيل بن عز القضاة أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الواحد بن أبي اليمن.
توفى في العشرين من رمضان، ودفن بقاسيون بتربة بني الزكى. محبة في محي الدين بن عربي، فإنه كان يكتب من كلامه كل يوم ورقتين، ومن الحديث ورقتين. وكان من الصالحين الكبار المعرضين عن متاع الدنيا.
قال الشيخ علم الدين البرزالي: رأيت له المنامات الصالحة، فمن ذلك أنه رآه وهو يقول: أن الله تعالى لما فرغتم من غسلي غسلني بيده بالماء والثلج والبرد، ورآه أيضا وهو يقول: إن الله عز وجل إذا توفى رجلا صالحا أمر بضرب نوبة له في السماء، فقال له الرائي: يا سيدي أنت أيضا، فتبسم.
وله نظم كثير، فمن ذلك قوله:
والنهر قد جن بالغصون هوى ... فراح في سره يمثلها
فغار منه النسيم عاشقها ... فجاء عن وصله يميلها
وله:
لم أنت في حق الصديق مفرط ... ترضى بلا سبب عليه وتسخط
يا من تلون في الوداد أما ترى ... ورق الغصون إذا تلون يسقط
وله:
وملتثم بالشعر من فوق ثغره ... غدا قائلا شبهه بي بحياتي