أسيد أملاك الزمان بأسرهم ... تنجزت من نصر الإله وعوده

فلا زال مولانا يبيح حمى العدا ... ويلبس أسلاب الملوك عبيده

ثم إن الملك المعظم توران شاه رحل إلى فارسكور ونصب بها برج خشب، وأرسل إلى ابن أبي على نائب القاهرة بأمره بالقدوم عليه، واستناب بالقاهرة الأمير جمال الدين أقوش النجمى، وأعرض عن مماليك والده، وأهمل جانبهم، وهم الذين أبلوا في غزو الفرنج بلاء حسنا، فوجدوا في نفوسهم لما بلغهم عنه من التهديد والوعيد، فاجتمعوا على إعدامه؛ وتعجيل حمامه.

ذكر قتل الملك المعظم توران شاه

والكلام فيه على أنواع الأول في ترجمته: وهو السلطان الملك المعظم تورانشاه بن السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب بن السلطان الملك الكامل محمد بن السلطان الملك العادل أبي بكر الأمير نجم الدين أيوب، كان أبوه ولاه حصن كيفا في الشرق، ثم كان يستدعيه فلا يجيبه، فلذلك كان يكرهه، ولأجل خفة فيه أيضاً وخلاعة وهوج، فلذلك لم يوص إليه بالملك؛ مع أنه لم يخلف ولدا غيره، لأن ولده الواحد مات بدمشق، وولده المغيث توفى معتقلا بها كما ذكرناه، وولده خليل المولود من شجر الدرّ، لم يلبث إلا قليلا ومات طفلا.

قال السبط: وحكى لي الأمير حسام الدين بن أبي عليّ قال: كنا نقول للملك الصالح أيوب: ما ترسل إلى ولدك توران شاه وتحضره إلى ها هنا، فيقول: دعونا من هذا، فلحينا عليه يوما فقال: أجيبه إلى ها هنا أقتله.

الثاني: في سبب قتله: وكان قتله لأمور بدت منه، فنفرت عنه القلوب، فاتفقوا على قتله.

منها: أنه كان فيه خفة.

قال السبط: بلغنى انه لما دخل كان يجلس على السماط، فإذا سمع فقيها يذكر مسألة وهو بعيد منه، يصبح هو: لا نسلم. ومنها: أنه احتجب عن الناس أكثر من أبيه، وما ألفوا من أبيه ذلك، وكذا سمع مماليك أبيه منه، ما ألفوا من أبيه ذلك. ومنها: أنه كان إذا سكر يجمع الشموع ويضرب روؤسها بالسيف فيقطعها ويقول: كذا افعل بالبحرية.

ومنها: أنه كان يسمى مماليك أبيه بأسمائهم.

ومنها: أنه قدّم الأرذال والأندال، وأبعد الأماثل والأكابر.

ومنها: أنه أهان مماليك أبيه الكبار.

ومنها: أنه كان قد وعد أقطاى بأن يؤمره، ولم يف له؛ فاستوحش منه.

ومنها: أنه كان يهدّد أم خليل، ويطلب المال والجواهر، فخافت منه، وارتفقت معهم.

الثالث: في كيفية قتله: قال السبط: لما كان يوم الإثنين السابع والعشرين من المحرّم جلس المعظم على السماط، فضربه بعض المماليك البحرية بالسيف، فتلقاه بيده، فقطع بعض أصابعه، وقام فدخل البرج وصاح: من جرحنى؟ قالوا: الملحدة الحشيشية. قال: لا والله إلا البحرية؛ والله لا أبقيت منهم بقية، واستدعى المزين فخيط يده وهو يتوعدهم، فقال بعضهم لبعض: تموه وإلا أبادكم، فدخلوا عليه، فانهزم إلى أعلا البرج، فأوقدوا النيران حول البرج، ورموه بالنشاب، فرمى بنفسه، وهرب نحو البحر وهو يقول: ما أريد الملك، دعونى أرجع إلى الحصن، يا للمسلمين ما فيكم من يصطنعنى ويجبرني، والعساكر كلها واقفة، فما أجابه أحد، والنشاب تأخذه، وكذا لما صعد إلى البرج رموه بالنشاب، فتعلق بذيل أقطاى، فما أجاره، فقطعوه قطعا، وبقى على جانب البحر ثلاثة أيام منتفخاً، ما يتجاسر أحد أن يدفنه، حتى شفع فيه رسول الخليفة، فحمل إلى ذلك الجانب فدفن، وكان الذين باشروا قتله أربعة.

قال سعد الدين مسعود بن تاج الدين شيخ الشيوخ: حكى لى رجل صادق أن أباه الملك الصالح أيوب قال لمحسن الخادم: إذهب إلى أخى العادل إلى الحبس، وخذ معك من المماليك من يخنقه، فعرض المحسن ذلك على جميع المماليك، فامتنعوا بأسرهم إلا هؤلاء الأربعة، فإنهم مضوا معه وخنقوه، فسلطهم الله تعالى على ولده حتى قتلوه أنحس قتلة وأقبحها، ومثلوا به أعظم مثله كما فعل بأخيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015