ومنها: أن الشيخ الإمام العلامة تقي الدين أبا العباس أحمد بن يتمية درس بدار الحديث السكرية التي بالقصاعين، وذلك في يوم الأثنين ثامن المحرم من هذه السنة، وحضر عنده قاضي القضاة بهاء الدين بن الزكى الشافعى، والشيخ تاج الدين الفزارى شيخ الشافعية، والشيخ زين الدين بن المرحل، وزين الدين بن المنجى الحنبلى، وكان درسا هائلا، وجلس الشيخ تقى الدين أيضا يوم الجمعة عاشر صفر في الجامع الأموى بعد الصلاة على منبر هئ له التفسير القرآن، فابتدأ من أوله، فكان يجتمع عنده خلق كثير والجم الغفير، واستمر في ذلك مدة سنين متطاولة على هذا المنوال.
ومنها: إن الدين ابن الشيخ عدى الكردى هرب من الاعتقال، وكان معتقلا في برج بالقلعة، فطلب أشد الطلب، وكتب إلى البلاد في أمره، وجعل لمن أحضره مائة دينار وخلعة، فأمسك من بعض دور الحسينية وأحضره، واعتقل مدةً، ثم أفرج عنه فيما بعد.
وفيها: ".................... " وفيها: حج بالناس الأمير علم الدين سنجر الباشقردىّ وجرى بينه وبين أمير مكه كلام أقتضى أن أغلقوا أبواب مكة ولم يمكنوا أحد من الدخول إليها، فلما كان يوم التروية زحف العسكر من باب الحجون وأحرقوا الباب، ونقبوا السور، وهجموا على البلد، فهرب جمع الشريف بن أبي نمى، ولم يبق معه إلا أولاده، فدخل الناس مكة، ووقع بينهم الصلح على يد برهان الدين السنجارى، وكان حج في هذه السنة، وهو الذي كان وزيرا، فعزل وتولى عوضه فخر الدين بن لقمان كما ذكرنا.
؟ ذكر من توفي فيها من الأعيان صاحب مجمع البحرين والبديع، الشيخ الإمام العالم العلامة، مظفر الدين أحمد بن علي بن تغلب بن أبي الضياء البغدادى، البعلبكى الأصل، المعروف بابن الساعاتى.
سكن بغداد ونشأ بها، وأبوه هو الذي عمل الساعات المشهورة على باب المستنصريّة ببغداد، وكان مظفر الدين إماما عظيما فاضلا، وله تصانيف منها: مجمع البحرين في الفقه، جمع فيه بين مختصر القدورىّ، والمنظومة مع زوائد، ورتبه فأحسن، وأبدع في اختصاره، وأسسه على قواعد لم يسبق إليها، وشرحه في مجلدين كبار، وسمعت بعض المشايخ أنه سوده ولم يبضه، وإنما بيضته ابنته الست الجليلة فاطمة خاتون، كانت قد تفقهت على والدها وبرعت.
وقال صاحب طبقات الحنفية: ورأيت مجمع البحرين بخطها.
قال العبد الضعيف مؤلف هذا الكتاب: لقد اختصرت هذا الشرح وسميته: كتاب المستجمع في شرح المجمع، وزدت فيه مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضى الله عنه، وتعرفت إلى عبارته وحلّ ألفاظه، فبحمد الله وعونه وقع موقع القبول، وكتبت منه نسخ وسارت بها إلى الآفاق: بلاد الروم والشام والعراق.
ومن تصانيف الشيخ مظفر الدين: كتاب البديع في أصول الفقه، وهو كإسمه بديع غريب عجيب، جمع فيه بين أصول فخر الإسلام البزدوى والأحكام للآمدىّ وأسسه على قواعد المعقول. اعتنى بشرحه جماعة من الفضلاء المتأخرين منهم: الشيخ الإمام شمس الدين الأصفهاني، قاضى القضاة سراج الهندى وغيرهما، وكانت وفاته بعد سنة ثنتين وثمانين وستمائة، لأنه كان حيا في سنة إثنتين وثمانين وستمائة. ويقال: إنه توفي وهو شاب، ومن جملة فضائله أنه كان يكتب خطا حسنا جدا، رحمه الله.
قاضى القضاة الإمام عز الدين أبو المفاخر محمد بن شرف الدين عبد القادر ابن عفيف الدين عبد الخالق بن خليل الأنصارى الشافعىّ الدمشقىّ للشهر بابن الصائغ.
ولى قضاء القضاة بدمشق مرتين، عزل به ابن خلكان، ثم ولى ابن خلكان ثم عزل نائبه وسجن، وولى بعده بهاء الدين زكى، واستمر عز الدين المذكور معزولا إلى أن توفي ببستانه في تاسع ربيع الأول، ودفن بسفح قاسيون، وكان مولده سنة ثمان وعشرين وستمائة، وكان مشكور السيرة، له عقل وتدبير، واعتقاد كثير في الصالحين، وقد سمع الحديث وروى.
القاضى نجم الدين عمر بن نصر بن منصور البيانى الشافعى.
توفى في شوال، وكان فاضلا، ولى قضاء زرع، ثم قضاء حلب، ثم مات في دمشق بالرواحية.
القاضي جمال الدين أبو يعقوب يوسف بن عبد الله بن عمر الزواوى قاضى القضاة المالكية ومدرسهم بعد القاضى زين الدين الزواوى الذي عزل نفسه. وكانت وفاته في الخامس من ذي القعدة من هذه السنة وهو في طريق الحجاز، وكان عالما فاضلا قليل التكلف، وقد شغر المنصب بعده ثلاث سنين.