ولما كان المقام العالي الولدي السلطاني الملكي الصالحيّ العلائي عضد الله به الدين، وجمع إذغان كل مؤمن على إيجاب طاعته لمباشرة أمور المسلمين، حتى يصبح وهو صالح المؤمنين، هو المرجوّ لتدبير هذه الأمور، والمأمول لمصالح البلاد والثغور، والمدّخر من النصر لشفاه ما في الصدور، والذي تشهد الفراسة لأبيه وله بالتحكم أليس الحاكم أبو علي هو المنصور، فلذلك اقتضت الرحمة والشفقة على الأمة أن ينصب لهم وليّ عهد يتمسكون من الفضل بعروة كرمه، ويسعون بعد التطواف بكعبة أبيه لحرمه، ويقتطفون أزاهر العدل وثمار الجود من قلمه وكلمه، وتستسعد الأمّة منه بالملك الصالح الذي تقسم الأنوار بجبينه وتقسم المبارّ من كراماته وكرمه.
فلذلك خرج الأمر العالي المولوي السلطاني الملكي المنصوريّ أخدمه الله القدر، ولا زالت الممالك تتباهي منه ومن وليّ عهده بالشمس والقمر، أن يفوض إليه ولاية العهد، وكفالة السلطنة الشريفة، ولاية تامّة عامةً شاملةً كافلةً جامعةً وازعةً فاطعةً ساطعةً شريفةً منيفة عطوفةً رءوفةً لطيفةً عفيفةً في سائر أقاليم الممالك الشريفة، وعساكرها وجندها، وتركمانها وأكرادها، ونوابها وولاتها، وأكابرها وأصاغرها، ورعاياها ورعاتها، وحكامها وقضاتها وسارحها وسانحها، بالديار المصرية وثغورها وأقايمها وبلادها، وما احتوت عليه، والمملكة الحجازية وما احتوت عليه، ومملكة النوبة وما احتوت عليه، والفتوحات الصفدية، والفتوحات الإسلامية الساحليّة وما احتوت عليه، والممالك الشاميّة وحصونها وقلاعها ومدنها وأقاليمها وبلادها، والمملكة الحمصية، والمملكة الحصنية الإكراديّة والجبلية وفتوحتها، والمملكة الحلبية وثغورها وبلادها وما احتوت عليه، والمملكة الفراتية وما احتوت عليه، وسائر القلاع الإسلاميّة براً وبحرا، سهلا ووعرا، وشاما ومصرا، يمنا وحجازا، شرقا وغربا، بعدا وقربا، وأن يلقى إليه مقاليد الأمور في هذه الممالك الشريفة، وأن تستخلفه سلطنة والده خلد الله دولنته لمشاهد الأمة منه في وقت واحد سلطانا وخليفة، ولاية واستخلافا، تسندهما الرواة، وتترنمّ بهما الحداة، وتعيهما الأسماع، وتنطق بهما الأفواه، وتقويضا يعلن لكافة الأمم، ولكل رب سيف وقلم ولكل ذي علم وعلم، بما قاله صلى الله عليه وسلم لسميّه، رضي الله عنه، حين اولاه من الفخار ما أولاه، من كنت مولاه، فعلّى مولاه، فلا ملك إقليم إلا وهذا الخطاب يصله ويوصله، ولا زعيم جيش إلا وهذا التفويض يسعه ويشمله، ولا إقليم إلا وكل من به يقبله ويقبله، ويتمثل بين يديه ويمتثله، ولا منبر إلا وخطبته تتلو فرقان هذا التقدم وترتله.
وأما الوصايا فقد لقنا ولدنا وولى عهدنا منها ما انطبع في ذهنه وسرت تغذيته في نماء غصنه، ولابد من لوامع وصايا للتبرك بها في هذا التقليد الشريف تنير، وجوامع الخبر بها حيث تصير، وودائع تنبئك بها ياولدنا، وأعزنّا الله ببقائك، ولا ينبئك مثل خبير.