وفي هذه السنة ملك يعقوب بن عبد الحق بن محيو بن حمامة المريني مدينة سبته، وبنو مرين ملكوا بلاد المغرب بعد بني عبد المؤمن، وكان آخر من ملك من بني عبد المؤمن أبا دبوس، وقد ذكرنا أخياره مع ما فيه من الإختلاف من سنة أربع وعشرين وستمائة، وأن المذكور قتل في سنة ثمان وستين وسستمائة، وانقرضت حينئذ دولة عبد المؤمن، وملك بعدهم بني مرين، وهذه القبيلة أعنى بني مرين يقال لها حمامة من بين قبائل العرب بالمغرب، وكان مقامهم بالريف القبلي من إقليم تازة.
وذكر في كتاب نهاية الأديب: أن بني مرين بطن من زنانة من البرير، وأول أمرهم أنهم خرجوا عن طاعة بني عبد المؤمن المعروفين بالموحدين لما اختل أمرهم، وتابعوا الغارات عليهم حتى ملكوا مدينة فاس، واقتلعوها من الموحدين في سنة بضع وثلاثين وستمائة، واستمرت فاس وغيرها في يديهم في أيام الموحدين، وأول من اشتهر من بني مرين أبو بكر بن عبد الحق بن محيو بن حمامة المريني، وبعد ملكه فاس سار إلى جهة مراكش وضايق بني عبد المؤمن، وبقي كذلك حتى توفى أبو بكر المذكور في سنة ثلاث وخمسين وستمائة، وملك بعده أخوه يعقوب بن عبد الحق بن محيو، وتولى أمره وحاصر أبا دبوس في أمر مراكش وملكها يعقوب المريني المذكور، وأزال ملك بني عبد المؤمن من حينئذ، واستقرت قدم يعقوب المريني المذكور في الملك حتى ملك سهته في هذه السنة، ثم توفى.
قال المؤيد: ولم يقع لي تاريخ وفاته، وملك بعده ولده يوسف بن يعقوب بن عبد الحق بن محيو، وكنية يوسف المذكور أبو يعقوب، واستمر يوسف المذكور في الملك حتى قتل في سنة ست وسبعمائة، على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
منها: أنه أغار عسكر حلب على كينوك، فقتلوا الرجال الذين بها، وسبوا الحريم، وأتّم العسكر غازية إلى أطراف طرطوس.
وهذه كينوك هي الحدث الحمراء، وقد ذكرها المتنبي في قصيدته التي أوّلها: على قدر أهل العزم تأتي العزائم:
هل الحدث الحمراء تعرف لونها ... وتعلم أيّ الساقيين الغمائم
سقتها الغمام قبل نزوله ... فلما دنا منها سقتها الجماجم
قلت: كينوك بضم الكاف، وسكون الياء آخر الحروف، وضم النون، وسكون الواو، وفي آخره كاف.
وهو قريب من مرعش.
ومنها: أن ملك التتار فوّض إلى علاء الدين صاحب الديوان ببغداد النظر في أمر تستر وأعمالها، فسار إليها ليتصفّح أحوالها، فوجد بها شابا كان من أبناء التجار يقال له: كي، قد قرأ القرآن، وشيئا من الفقه، والإشارات لابن سيناء، ونظر في النجوم، ثم ادعى أنه عيسى بن مريم، وقد صدقه في ذلك جماعة من جهلة أهل تلك الناحية، وقد أسقط لهم من الفرائض صلاة العصر، وعشاء الآخرة، فاستحضره فسأله عن هذا فرآه ذكيا إنما يفعل ذلك عن قصد، فأمر بقتله، فقتل بين يديه، جزاه الله خيرا وأمر العوام فنهبوا أتباعه.
ومنها: أن في سلخ شوال وردت كتب النصحاء أن الفرنج أقاموا انبرورا في بلد الأمانية اسمه المركيس رودلف.
ومنها: أن هذه السنة ولد الملك المؤيدّ عماد الدين إسماعيل بن علي بن محمود بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب بدار بن الزنجبيل بدمشق المحروسة.
قال المؤيد في تاريخه: فإن أهلنا كانوا قد جفلوا من حماة إلى دمشق بسبب أخبار التتار.
ومنها: أنه كان وباء بالديار المصرية فهلك فيه خلق كثير، أكثرهم النسوان، والأطفال.
وفيها: "................ " وفيها: حج بالناس "................ "
الصدر الرئيس مؤيّد الدين أبو المعالي أسعد بن عز الدين أبي غالب المظفري الوزير مؤيد الدين أسعد بن حمزة بن اسعد بن علي بن محمد التميمي بن القلامي.
جاوز السبعين، وكان رئيساً كبيرا، واسع النعمة، لا يباشر شيئا من الوظائف، وقد ألزموه بعد ابن سويد بمباشرة مصالح السلطان، فباشرها بلا جامكية، وكانت وفاته ببستانه، ودفن بسفح قاسيون يوم الثلاثاء ثالث عشر المحرم، وهو والد الصدر عز الدين حمزة رئيس البلدين دمشق والقاهرة، وجدّهم مؤيد الدين أسعد بن حمزة الكبير، كان وزير الملك الأفضل نور الدين علي بن السلطان الملك الناصر يوسف بن أيوب فاتح القدس، وكان رئيسا فاضلا، له كتاب الوصية في الأخلاق المرضيّة، وغير ذلك، وكانت له يد جيّدة في النظم، فمن ذلك قوله: