ولما دخل دمشق اتفق مجي رسل أبغا ملك التتار، معهم مكاتبات ومشافهات، ومعهم التكفور صاحب سيس، فإنه كان قد سعى في الصلح بين السلطان وبين هلاون، فسيّر أبغا هؤلاء الرسل وصحبتهم يرليغ وبايزة ذهب، فأرسل السلطان ناصر الدين بن صيرم مشدّ حلب لإحضارهم، ولما التقى السلطان أعفاهم من النزول، ثم أحضر كبيرهم كتاب بغير ختم، نسخته: بقوة الله تعالى، باقبال فان فرمان أبغا، يعلم السلطان ركن الدين أنه لأجل أن عرض على رأينا، كتب إلى عند التكفور أن الرسل الدين أنفذهم إيلخان ما قتلهم إلا قطز، والملوك يطلبون التوسّط حتى يصيروا إيل، والآن لو تنعم في حقي إيلخان أصير إيل، وقد سمعنا قد طلبت القفجاق الذين عندنا، وهم: سيف الدين بلبان، وبدر الدين بكمش، وأولاد سيف الدين سكز، ولا ريب أن مذ سنين الذين ما كان قبلكم معنا، صحيح كان بين إخواننا الكبار والصغار بعضهم بعضا خلف، فلأجل ذلك ما قدرنا نركب إلى صوبكم، والآن إذ نحن جميعنا من الأخوة الكبار والصغار عملنا قور يلتاى، واتفقنا على ما نغير فرمان وياساق قان، وأنتم أيضا قد تقدمتم وعرضتم أنا نحن إيل ونعطي القوة، استحسنّا ذلك منكم، فمن مطلع الشمس إلى مغربها في جميع العالم من الذي استقبل وأطاع ودخل في العبودية، وكان من قبل هذا في فرمان وياساق جنكزخان، والآن في فرمان وياساق قان هيكداه: أن إذا أذنب الأب ما يذنب الابن ولو يذنب الاخ ما يذنب الأخ ما يمسكوه بذنب الأخ الصغير، فلو أذنب الذنب أذنب السلطان قودور، وهو رجل في ذنبه، قتل على يدك بالحق، فأنت لو وصلت إلى كلامك الذي قلت نفّذ إلينا من إخوانك ومن أولادك أو من أمرائك الجياد ها هنا حتى نسمعهم ونفهمهم يرليغ وياساق قان، ويعودون إليك، فإذا وقع الاتفاق بيننا، الناس الذي طلبت ما يمسون نحن نعطيكم، ولو أن ما تصل إلى كلامك وتكون باغي وتفكر غير الصحيح، نحن ليس نعلم ذلك يعلم الله، وإقبال قان، أمرنا هكذا، ونفذنا إليكم هذين الرسولين، وهما: بيك طوب، وأبو الغريب بالاولاغ، كتب في عشرين شهر ربيع الآخر سنة سبع وستين وستمائة، بمقام بغداد.
نسخه الجواب الصادر من السلطان: بسم الله الرحمن الرحيم، بعون الله وقوته، بإقبال السلطان الأعظم بيبرس الصالحي، يفهم الملك أباقا أننا رسمنا للتكفور أن يفهم الملك إلاّ جواب ما ذكره لنا شمس الدين سنقر الأشقر، أما قتل الملك المظفر الرسل، فنحن رسلك أعدناهم إلى الملك مثل ما حضروا سالمين، وعلى قدر ما فهّمنا الأمير شمس الدين سنقر الأشقر رسمنا للتكفور أنه يكون الواسطة بيننا وبين الذي طلبنا، ما أبصرنا شيئا، فكيف يقع الاتفاق ونحن اليوم الياساق التي لنا هي أعظم من ياساق جنكز خان، وقد أعطانا الله ملك أربعين ملكا، وأما ما ذكره من مطلع الشمس إلى مغربها أطاعوه، فأيّ شئ جرى على كتبغا نوين؟ وكيف كان دماره؟ وأنت لو وفقت على قولك الذي ذكرته اسنقر الأشقر، وسيرّت أحد إخوانك أو من أولادك أو من أمرائك الكبار كنا سيرّنا إليك نحن أيضا الذي ذكرته.
وعمل على الكتاب طمغات فيها رنك السلطان، وأعيد به الرسل إلى أبغا.
وذكر غير بيبرس: أن السلطان الظاهر لما دخل دمشق وصل إليه رسول أبغا ملك التتار، ومعه مكاتبات ومشافهات، فمن جملة المشافهات: أنت مملوك أبغت بسيواس، فكيف يصلح لك أن تخالف ملوك الأرض، واعلم أنك لو صعدت إلى السماء أو هبطت إلى الأرض ما تخلصت منه، فاعمل لنفسك على مصالحة السلطان أبغا، فلم يلتفت الظاهر إلى هذا الكلام، بل أجاب عنه بأتّم جواب وقال: اعلموه أني وراءه بالمطالبة، ولا أزال حتى أنتزع من يده جميع البلاد التي استحوذ عليها من بلاد الخليفة وسائر أقطار الأرض.
ومنها: أن السلطان توجه إلى صور، وذلك أنه لما خرج من دمشق بعساكره متوجها إلى الديار المصريّة جاءته امرأة في أثناء الطريق عند خربة اللصوص، فذكرت أن ابنها دخل إلى صور، وأن صاحبها الفرنجيّ غدر به وقتله، وأخذ ماله، فركب السلطان وشنّ الغادرة على مدينة صور وأخذ منها شيئا كثيرا وقتل خلقا، فأرسل إليه مالكها ما سبب هذا! فذكر له غدره ومكره بالتجار.
ومنها: توجه السلطان إلى مصر خفية.