قال بيبرس: وكنت في هذه الغزاة المبرورة، فأما قلاون ومن معه فإنه سار من أفامية، فصابحنا القصير صباحا وشنّنا أهله القتال غدوّا ورواحاً وارتحلنا إلى أنطاكية فنزلنا من غربيها على سفح الجبل، وتواصلت العساكر إليها، ونزل السلطان عليها في اليوم الأول من شهر رمضان، وخرج منها جماعة فيهم كند اصطبل عمّ صاحب سيس الذي ذكرناه أنه انهزم في نوبة سيس، فالتقوا مع الجاليش المنصور، فاستظهر الجاليش عليهم، وأسر الكند جنديّ من أجناد الأمير الأجل شمس الدين آقسنقر الفارقانيّ، يسمّى المظفرى، وأحضره إلى السلطان، فأعطاه عشرة طواشّية، وأمره بحمل رنك كند اصطبل، فحمل رنكة على سنجقه إلى أن مات، وسأل هذا الكند أن يدخل أنطاكية ويتحدّث مع أهلها ويحذرهم وينذرهم، وأحضر ولده رهينة على ذلك، فلم يغن شيئا.
وفي يوم السبت رابع رمضان المعظم قدره زحفت العساكر، وأطافت بالمدينة والفلعة، وقاتل اهلها قتالا شديدا ذريعا، وجاهدهم المسلمون جهادا عظيما، وتسّوروا الأسوار من جهة الجبل، ونزلوا المدينة بالبيض والأسل وشرعوا في النهب والقتل والأسر حتى أثخنوا فيهم غاية الإثخان، واجتمع نحو القلعة منهم نحو ثمانية آلاف منهم، وسألوا الأمان، فأجيبوا إليه.
وأخذوا في الحبال، وقتل وأسر جمع يتجاوز الإحصاء من النساء والرجال، وكان بها مائة ألف أو يزيدون، ووجدوا بها من الأسرى والحلبّيين خلقا كثيرا.
وكتهت كتب البشائر، ومن جملتها كتاب إلى صاحبها نسخته: