تفقه على مذهب الشافعي وسمع وحدّث، ووزر لغير واحد من الملوك وتقدم عندهم، وكان دينّا عنيفاً نزهاً، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يقبل535 شفاعة أحد، وجمع له قضاء الديار المصريّة بكمالها، والخطابة والحاسبة، ومشيخة الشيوخ، ونظر الأحباس، وتدريّس الشافعي، والصالحيّة، وإمامة الجامع، وكان بيده خمس عشر وظيفة، وباشر الوزارة في بعض الأوقات، وكان السلطان يعظمه، والوزير ابن الحنّا يخاف منه كثيرا وكان يحبّ أن ينكبه عند السلطان فلا يستطيع ذلك.
وكان مولده في سنة أربع وستمائة، وتوفي في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب من هذه السنه بالقاهرة، ودفن من الغد بسفح المقطم، وكانت جنازتة مشهودة، وتولى بعده القضاء تقي الدين بن رزين.
أبو شامة، الشيخ شهاب الدين عبد الرحمان بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان ابن أبي بكر بن عباس، أبو محمد وأبو القاسم، المقدسىّ، الشيخ الصالح الإمام العلامة الحافظ المحدث المقرى، الفقيه الشافعي المعروف بأبي شامة.
شيخ دار الحديث الأشرفية، وتدريس الركنية، وصاحب المصنفات المفيدة منها: مختصر تاريخ دمشق، وشرح الشاطبيّة، وكتاب البعث والإسراء، وكتاب الروضتين في الدولتين النورية والصلاحية، وله الذيل على ذلك، وغير ذلك.
ولد ليلة الجمعة الثالث والعشرين من ربيع الآخر سنة تسع وتسعين وخمسمائة، وتفقه على الفخر بن عساكر وابن عبد السّلام، والشيخ سيف الدين الآمدي، والشيخ موفق الدين بن قدامة، وكان يقال إنه بلغ رتبة الاجتهاد، وقد كان ينظم أشعارا، وبالجملة فلم يكن في وقته مثله في تفننه وديانته وثقته وأمانته، وكان قرأ القرآن بالقراءات على الشيخ علم الدين السخاوي وصحبه مدة، وقرأ عليه العربيّة، وتفقه على الشيخ تقي بن الصلاح، وقد كانت وفاته بسبب جماعة ألبوا عليه، وأرسلوا إليه من اغتاله وهو بمزل له بطواحين الأشنان، وكان قد اتهم بأمر، الظاهر براءته منه.
وقد قال جماعة من أهل الحديث وغيرهم: إنه كان مظلوما، ولم يزل يكتب في التاريخ حتى وصل إلى رجب من السنة، فذكر536 أنه أصيب بمحنة في منزله بطواحين الأشنان، وكان الذين قتلوه جاؤوه قبل ذلك فضربوه ليموت فلم يمت، فقيل له: ألا تشتكي؟ فلم يفعل، وأنشأ يقول:
قلت لمن قال ألا تشتكي ... ما قد جرى فهو عظيم جليل
فقّيض الله تعالى لنا ... من يأخذ الحقّ ويشفى الغليل
إذا توكلنا عليه كفى ... فحسبنا الله ونعم الوكيل
وكأنهم عادوا إليه مرة ثانية وهو في منزله المذكور، فقتلوه في ليلة الثلاثاء التاسع عشر من شهر رمضان منها، ودفن من يومه بمقابر باب الفراديس، وباشر بعده مشيخة الحديث الأشرفية الشيخ محيى النووي، رحمه الله.
الشيخ الأصيل أبو يوسف يعقوب بن أبي البركات عبد الرحمن بن القاضي أبي سعد عبد الله بن محمد بن هبة الله بن علي بن المطهر بن أبي عصرون التميمي الشافعي، المنعوت بالسعد.
أجاز له جماعة منهم: الحافظ بن الجوزي، ودرس بالمدرسة القطيبّة بالقاهرة مدة، وهو من ذوي البيوتات المشهورة بالفقه والحديث والتقدّم، مات في الثالث والعشرين من شهر رمضان بالمحلة.
الأمير الكبير ناصر الدين أبو المعالي الحسيّن بن أبي الفوارس القيمريّ الكردىّ.
كان من أعظم الأمراء وأرفعهم منزلة عند الملوك، وهو الذي سلم الشام إلى الملك الناصر يوسف صاحب حلب حين قتل توران شاه بن السلطان الملك الصالح نجم الدين أيّوب بمصر، وهو واقف المدرسة القيمريّة عند مئذنة فيروز، وعمل على بابها سامات لم يسبق إلى مثلها ولا عمل على شكلها، فيقال: إنه غرم عليها أربعين ألف درهم، مات يوم الأحد ثالث عشر ربيع الأول من هذه السنة، وكان موته بالساحل.
بركة خان بن صاين خان بن دوشي خان بن جنكز خان، ملك التتار ببلاد الشمال، وهو ابن عم هلاون خان.