وكان باطوخان والد هلاون استولىعلى بلاد العجم، بعضها في حياة والده جنكزخان، ولما مات جنكزخان استولى باطوخان على الجميع، وأفسد وقتل في البلاد، ثم لما هلك استولى ولده هلاون على البلاد، ولكن كان تحت حكم أخيه منكوقان، وكان منكوقان هو المالك للبلاد كلها، ولما هلك منكوقان في سنة ثمانية وخمسين وستمائة استبدَّ هلاون بالمملكة، ولم يبق له معارض، فأفسد في بلاد الإسلام ما لا يمكن وصفه، فطغى وتجبر إلى أن أهلكه الله تعالى على ما نبينهُ عن قريب.
الثاني في سيرته: كان ملكا جباراً عنيداً، سفاكا للدماء، لا يتدبن بدين من الأديان، وكانت زوجته طغرخاتون قد تنصر وكانت تعضد النصارى، وكان هلاون يترامى على محبة المعقولات، ولا يتصور منها شيئا، وكان أهل المعقولات من أفراح الفلاسفة عنده، لهم وجاهة ومكانة، وكان نصير الدين الطوسى العالم في العقليات صاحب التصانيف منها: التجريد في الكلام عنده، خصيصا به، يشاوره في مصائبه، وكان الطوسى شيعيا خبيثا، وكان معه حين أخرب هلاون بغداد وقتل الخليفة، وكان هو أحد الأسباب لذلك، عليه ما يستحق، وكانت همة هلاون في تدبير المملكة وملك البلاد شيئاً فشيئاً حتى أباده الله تعالى في هذه السنة.
الثالث فلا هلاكه: مات في تاسع ربيع الآخر من هذه السنة، بالقرب من كورة مراغة بمرض الصدع.
وقال ابن كثير: مات بمدينة مراغة. قيل: حملوه إلى قلعة تلاَ ودفنوه بها، وبنوا عليه قبة، وكان عزمه أن يجمع عساكره من البلاد ويقصد بلاد الشام ومصر، ولكن الله أهلكه وأراح البلاد والعباد منه، ولما بلغ السلطان الملك الظاهر بيبرس خبر هلاكه فرح فرحا عظيماً، وعزم على جمع العساكر ليأخذ بلاد العراق، فلم يتمكن من ذلك لتفرق العساكر.
الرابع: في مدة مملكته وبيان عددها وأولاده: أما مدة مملته فكانت نحو عشر سنين.
وأما بيان عدد مملتكه: فإنها البلاد التي كانت بيد والده حال وفاته وهي: إقليم خراسان وكرسيها نيسابور، ومن مدنها المشهورة: طوس وهراة وترمذ وبلخ.
وعراق العجم: وكرسيه أصبهان، ومن مدنه قزوين وقم وقاشان وسهرورد وسجستان وطبرستان وكيلان وبلاد الإسماعيلية.
وعراق العرب: وكرسيه بغداد، ومن مدنه واسط والكوفة والبصرة والدينور وغيرها.
وأذربيجان: وكرسيها تبريز، ومن مدنها خوى وسلماس ونقجوان.
وخوزستان: وكرسيها ششتر، ومن مدنها الأهواز وغيرها.
وبلاد فارس: ومدينتها شيراز، ومن أعماله كتشن وكرمان وكازرون والبحرين.
وديار بكر: وكرسيها الموصل، ومن مدنها ميافارقين ونصيبين وسنجار واسعرد ورأس العين ودنيسر وحران والرها وجزيرة بنى عمر.
وبلاد الروم: وكرسيها، قونية، ومدنها كثيرة.
وأما أولاده فخمسة عشر ذكرا وهم: جماغار: وهو أكبرهم سنا، وأبغا: بالغين ويقال بالقاف، ويصمت، وتبشين، وتكشى، وتكدار وهو الذي يقال له أحمد، وآجاى، وألاجو، وسبوجى، ويشودار، ومنكوتمر، وقنغرطاى، وطرغاى، وطغاى، وتمر وهو أصغرهم.
ولما هلك هلاون جلس موضعه أبغا بن هلاون.
ولما استقر في المملكة بعد وفاة والده هلاون، جهز جيشا لحرب عساكر بركة خان ملك بلاد الدشت والجهة الشمالية، وبركة هو ابن صاين خان بن دوشى خان بن جنكزخان، وهو ابن عم هلاون، ولما بلغ بركة ذلك جهز جيشا وقدم عليه بيشو نوغا بن ططربن مغل بن دوشى خان بن جنكزخان، فسار في المقدمة، ثم أردفه بركة بمقدّم آخر اسمه يسنتاى في خمسين الف فارس، فسبق بيشونوغا فيمن معه، وتقدم إلى عسكر أبغا وردفه بسنتاى على الأثر، فاستشرفت عساكر أبغا على يسنتاى وهو مقبل في سواده العظيم، كقطع الليل البهيم، فتكردسوا وتجمعوا للهزيمة فبصر بهم يسنتاى، وقد تخلفوا فظنهم أحاطوا ببنوغا ومن معه، فلم يلبث ان انهزم راجعاً وفر مسارعا، وأما نوغا فإنه تبع عسكر أبغا وساق عليهم، واتقع معهم، فكسرهم وقتل منهم جماعة وظفر بهم، وعاد إلى بركة فعظم أمره وارتفع قدره، وقدمه بركة على عدة تماناوت، وصار معدوداً في الخانات، وأما يسنتاى فعظم ذنبه عند بركة، فكان منه ما سنذكره إن شاء الله تعالى، والحمد لله وحده.
فصل فيما وقع من الحوادث