وقال: (وهب لي مُلكاً لاَّ ينبغي لأحدٍ من بعدي) [ص: 35] . وهذه الدعوة هي التي منعت نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم من ربط الجني الذي جاء بشهاب من نار، يريد أن يرميه في وجهه، ففي صحيح مسلم عن أبي الدرداء قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعناه يقول: (أعوذ بالله منك) ثم قال: (ألعنك بلعنة الله ثلاثاً) ، وبسط يده كأنه يتناول شيئاً.
فلما فرغ من الصلاة قلنا: يا رسول الله لقد سمعناك تقول في الصلاة شيئاً، لم نسمعك تقوله من قبل، ورأيناك بسطت يدك، فقال: (إن عدوّ الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي، فقلت: أعوذ بالله منك ثلاث مرات، ثم قلت: ألعنك بلعنة الله التامة، فلم يستأخر ثلاث مرات، ثم اْردت أخذه، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقاً يلعب به ولدان أهل المدينة) (?) .
وقد تكرر هذا أكثر من مرة، ففي الصحيحين عن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن عفريتاً من الجن جعل يفتك علي البارحة ليقطع عليّ الصلاة، وإن الله أمكنني منه، فَذَعَتُّهُ، فلقد هممت أن أربطه إلى جنب سارية من سواري المسجد، حتى تصبحوا تنظرون إليه أجمعون، (أو كلكم) ، ثمّ ذكرت قول أخي سليمان: (رب اغفر لي وهب لي مُلكاً لاَّ ينبغي لأحدٍ من بعدي) ، فرده الله خاسئاً) (?) . ومعنى يفتك: الفتك: الأخذ غفلة. وقوله: (ذعته) ، أي: خنقته.
كذب اليهود على نبي الله سليمان:
يزعم اليهود وأتباعهم الذين يستخدمون الجن بوساطة السحر أن نبي الله سليمان كان يستخدم الجنّ به، وقد ذكر غير واحد من علماء السلف أنَّ سليمان لما مات كتبت الشياطين كتب السحر والكفر، وجعلتها تحت كرسيه، وقالوا: كان سليمان يستخدم الجن بهذه، فقال بعضهم: لولا أن هذا حق جائز لما فعله سليمان، فأنزل الله قوله: (ولمَّا جاءهم رسولٌ من عند الله مصدقٌ لما معهم نبذ فريقٌ من الَّذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنَّهم لا يعلمون) [البقرة: 101] ، ثم بين أنهم اتبعوا ما كانت تتلوه الشياطين