قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ يَنْفَرِدُ بِذِكْرِ التُّرَابِ فِيهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ فِي السُّنَنِ بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ، إنْ كَانَ حَفِظَهُ مُعَاذٌ فَهُوَ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَمْ يَرْوِهِ ثِقَةٌ غَيْرُ ابْنِ سِيرِينَ (قُلْت) : تَابَعَهُ عَلَيْهِ أَخُوهُ يَحْيَى بْنُ سِيرِينَ فِيمَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَقَالَ: «أُولَهُنَّ أَوْ آخِرُهُنَّ بِالتُّرَابِ» وَلِلْبَيْهَقِيِّ (أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ) وَلِأَبِي دَاوُد (السَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ) وَلِلْبَزَّارِ (إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ) وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ إحْدَاهُنَّ بِالْبَطْحَاءِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ «وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ» ..
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِيصَالَهُ بِالْمَاءِ انْتَهَى.
وَمَا أَبْدَاهُ الشَّيْخُ مِنْ الِاحْتِمَالِ فِي إجْزَاءِ ذَرِّ التُّرَابِ وَإِتْبَاعِهِ بِالْمَاءِ قَدْ صَرَّحَ بِالِاكْتِفَاءِ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الشَّيْخَ أَبَا مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيَّ صَرَّحَ فِي التَّبْصِرَةِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ.
{الْحَادِيَةَ عَشَرَ} اسْتَدَلَّ بِهِ الرَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي مَزْجُ التُّرَابِ بِمَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فَلْيَغْسِلْهُ بِالْمَاءِ سَبْعًا وَإِلَّا لَجَازَ الْغَسْلُ سَبْعًا بِغَيْرِ الْمَاءِ وَهُوَ وَاضِحٌ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ يَكْفِي؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْغَسْلَةِ السَّابِعَةِ التُّرَابُ، وَهُوَ بَعِيدٌ.
{الثَّانِيَةَ عَشَرَ} فِيهِ أَنَّهُ لَوْ غَسَلَهُ بِالْمَاءِ سَبْعًا، ثُمَّ مَزَجَ التُّرَابَ بِمَائِعٍ فَغَسَلَهُ بِهِ ثَامِنَةً أَنَّهُ لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّ التُّرَابَ لَيْسَ فِي أُولَى الْغَسَلَاتِ وَلَا فِي إحْدَاهُنَّ، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ جَمْعِ التُّرَابِ مَعَ الْمَاءِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ الْمُسَمَّى بِالتَّنْقِيحِ وَكَلَامُهُ فِي بَقِيَّةِ كُتُبِهِ مُحْتَمَلٌ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ أَمَّا إذَا غَسَلَهُ بِالْمَاءِ سَبْعًا وَمَزَجَ التُّرَابَ بِالْمَائِعِ وَغَسَلَهُ بِهِ مَعَ الْمَاءِ غَسْلَةً ثَامِنَةً فَفِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّهُ يَجُوزُ قَطْعًا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي مُشْكِلِ الْوَسِيطِ قَالَ: وَلَا يُتَّجَهُ فِيهِ خِلَافُ الْأَوْجُهِ بَعِيدٌ فِي أَنَّ التُّرَابَ تَزُولُ طَهُورِيَّتُهُ بِالْخَلِّ وَنَحْوِهِ.
{الثَّالِثَةَ عَشَرَ} اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأَمْرِ بِالتَّتْرِيبِ فِي نَجَاسَةِ الْكَلْبِ هَلْ هُوَ تَعَبُّدٌ أَوْ مَعْقُولُ الْمَعْنَى فَمَنْ قَالَ: إنَّهُ تَعَبُّدٌ جَعَلَهُ مُتَعَيِّنًا، وَأَنَّهُ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ، وَإِنْ كَانَ أَبْلَغَ فِي الْإِزَالَةِ كَالصَّابُونِ، وَالْأُشْنَانِ وَنَحْوِهِمَا وَمَنْ جَعَلَهُ مَعْقُولُ الْمَعْنَى اخْتَلَفُوا فِي الْعِلَّةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعِلَّةُ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ نَوْعَيْ الطَّهُورِ تَغْلِيظًا لِلنَّجَاسَةِ وَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ الِاسْتِظْهَارَ مَعَ الْمَاءِ بِغَيْرِهِ فَمَنْ عَلَّلَ بِالْجَمْعِ بَيْنَ نَوْعَيْ الطَّهُورِ لَمْ يَكْتَفِ بِغَيْرِ التُّرَابِ وَمَنْ جَعَلَهُ لِلِاسْتِظْهَارِ اكْتَفَى بِأَمْرٍ آخَرَ مَعَ الْمَاءِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِالْغَسْلَةِ الثَّامِنَةِ إذْ لَا زِيَادَةَ عَلَى الْمَاءِ وَالْأَصَحُّ كَمَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ تَعَيُّنُ التُّرَابِ، وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي الصَّابُونُ وَالْأُشْنَانُ وَنَحْوُهُمَا، وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَكْفِي فِيمَا يَفْسُدُ بِالتُّرَابِ كَالثِّيَابِ خُصُوصًا النَّفِيسَةَ، وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ عِنْدَ عَدَمِهِ لَا عِنْدَ وُجُودِهِ، وَهَذَا الْأَخِيرُ قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ مَعَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ لِأَحَدِهِمَا، وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يَكْفِي مُطْلَقًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ، وَإِنَّمَا فَرَضَهُ فِي الْأُمِّ عِنْدَ عَدَمِ التُّرَابِ كَمَا تَقَدَّمَ.
{الرَّابِعَةَ عَشَرَ} فِيهِ أَنَّهُ لَوْ غَسَلَهُ مَرَّةً ثَامِنَةً بِالْمَاءِ بَدَلًا عَنْ التُّرَابِ لَا يَكْفِي، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا يَكْفِي؛ لِأَنَّ الْمَاءَ